سعيد بن جبير ، قال : ( كان ابن عباس بعرفة ، فقال : يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت : يخافون معاوية.
فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : ( لبيكّ اللهم لبيكّ ) ، وإن رغم أنف معاوية ، اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض عليّ ) (١) ـ وقد مرّت بعض آرائه الفقهية فكانت كلّها موافقه لفقه أهل البيت عليهم السلام ـ.
فعلق السندي في حاشيتة على سنن النسائي بقوله : ( من بغض عليّ ) ، أي لأجل بغضه ، أي لأجله ، وهو كان يتقيد بالسنن ، فهؤلاء تركوها بغضاً له.
ثم نقول : ما بال أصحاب الصحاح السنن وغيرهم من المحدثين والمؤرخين اعتمدوا رواية عكرمة الخارجي ـ مع انقطاعها ـ التي ذكرت التنقيد ، وأعرضوا عن رواية عمّار الدهني وعمرو بن دينار في تكذيبه ، وعنهم جميعاً روى ذلك سفيان (؟) أليس يعني ذلك هو نُصب مغلّف؟
وما بالهم تعاموا عن شرعية التحريق الذي وقع أيام أبي بكر منه ومن غيره بأمره ـ كما مرّت الإشارة إلى ذلك ـ فلم نسمع تنديداً من أحد إلاّ ما ذكروه عن عمر في حرق خالد لبني سليم ، وذلك إن صح فهو لما بين عمر وخالد من التباعد ، وإلاّ لماذا لم ينتقد عمر أبا بكر في حرقه الفجاءة؟ ولم ينتقد معاذ بن جبل في حرقه أناساً باليمن (٢)؟
ولماذا يذكر عن ابن عباس في كلّ تلك الحوادث المتعددة أيّ تنديد أو تنقيد؟ فأين غابت عنه روايته لحديثي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذين رواهما
____________________
(١) سنن النسائي ٥ / ٢٥٣ ، السنن الكبرى ٥ / ١١٣.
(٢) فتح الباري ١٥ / ٣٠١.