والمنافقين في عهد النبوة (١) والغلاة الذين قيل إنّ الإمام عليّاً حرقهم (٢) ، فتكرر من الشيخ تفضيلهم على المسلمين في عصره من علماء وعامّة! حتى يبرهن أنّه لم يقاتل إلاّ أناساً أقلّ فضلاً من كفار قريش ومن المنافقين ومن أصحاب مسيلمة! وهذا خطأ بلا شك ، مع ما في مقارناته التي يكتبها بين هؤلاء وهؤلاء من أقيسة تهمل فوارق كبيرة ، فلذلك تجد إستهلاله السابق ينبئ عن قلقه من الشبهة القوية التي كان الخصوم يواجهونه بها.
____________________
تفصيل واختلاف ، هل يسجن أو يقتل أو يستتاب ثلاثة أيام أو يهمل كما أهمل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذين كفروا بعد إيمانهم في غزوة تبوك ، وأنزل الله فيهم : ( لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) ( التوبة : ٦٦ ) ، ومع ذلك لم يقتلهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما أميل إليه من أن الردة الفردية التي لا تستلزم إنفصالاً عن الأمة وتحيزاً بمكان أن جزاءهم اللوم والإهمال كما لام القرآن الكريم مرتدي تبوك وأهملهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مع أنهم بنص القرآن استهزءوا بالله وآياته وكتبه ورسله ، وهذه من أبلغ الردة ، لكنها ردة فردية جزاؤها الإهمال لا القتل.
(١) المنافقون في عهد النبوة لم يقتلهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان لهم سائر حقوق الصحابة ، من فئ وغزو وتزاوج وتوارث ودفن في مقابر المسلمين .. الخ.
(٢) ولم يصح تحريق علي لهم رغم شهرته على ألسنة أصحاب العقائد بناء على روايات ضعيفة أشهرها رواية عكرمة لحديث ابن عباس : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، وهو ضعيف رغم رواية البخاري له لأن أكثر أهل الحديث على تضعيف عكرمة ، هذا أولاً ، وأما ثانياً : فقصة التحريق التي جاءت في مناسبة الحديث بلغتهم بلاغاً فقد كانوا في البصرة والإمام علي في الكوفة ، فهي أضعف من الحديث ، لا سيما التيار السلفي من ذكر تحريق الإمام علي لغلاة الشيعة ـ على ضعفه ـ ورددوا الأبيات المنسوبة للإمام ( اشعلت ناري ودعوت قنبراً )! من باب ذم الشيعة بإمامهم! وحتى يؤكدوا لسلاطين المسلمين بأن جزاء الشيعة عند الإمام علي وأهل البيت هو الحرق بالنار لا غير! وهذه شنشنة المذاهب وتعصباتها ، فالإمام علي من أبعد الناس عن التحريق بالنار لا سيما وأنه من رواة حديث ( لا يعذب بالنار إلاّ ربّ النار ) ، نعم قد وردت روايات فيها نظر تدل على أنه قتل مرتدين كانوا يأخذون العطاء ويزعمون أنهم مسلمون ثم دخن عليهم في أخاديد فربما ظن الرائي أنه أحرقهم.