البيت اسم لموضع يبات فيه ، واليمين يتقيد بما عرف من مقصود الحالف فأهل الأمصار إنّما يسكنون البيوت المبنيّة عادة ، وأهل البادية يسكنون البيوت المتخذة من الشعر ، فإذا كان الحالف بدوياً فقد علمنا أنّ هذا مقصوده بيمينه فيحنث ، بخلاف ما إذا كان من أهل الأمصار ، واسم البيت للمبني حقيقة ، فلا يختلف فيه حكم أهل الأمصار وأهل البادية لأنّ أهل البادية يسمون البيت للمبني حقيقة.
والأصل في هذا أنّ سائلاً سأل ابن مسعود رضي الله عنه ـ كذا والصواب ابن عباس ـ فقال : إنّ صاحباً لنا أوجب بدنة افتجزي البقرة؟
فقال : ممن صاحبكم؟ فقال من بني رياح ، قال : ومتى اقتنت بنو رياح البقر ، إنّما وَهِمَ صاحبكم ، الأبل ) (١).
أقول : لقد وهم السرخسي في تسمية المسؤول فسماه ابن مسعود إنّما هو ابن عباس كما تقدم ويأتي.
فلقد ذكر الكاساني الحنفي في ( بدائع الصنائع ) هذا أيضاً في حكم اليمين عن ابن عباس وذكر الخبر ، ثم قال : ( فهذا الحديث أصل أصيل في حمل مطلق الكلام على ما يذهب إليه أوهام الناس ، ولأنّ العرف وضع طارئ على الوضع الأصلي فهو مقدم ) (٢). وهذا يعني أنّ الحقيقة العرفية تقضي على الحقيقة الوضعية ، فيحمل اللفظ على معاني ما يفهمه العُرف.
وممّا يشبه هذا في استكناه السائل ويحمل عليه بعض فتاويه المتنافية ظاهراً نحو ما أخرجه ابن حجر في تلخيصه الحبير ، أنّه سئل عمّن قَتَل أله توبة؟
____________________
(١) المبسوط ٨ / ١٦٧ ط دار المعرفة بيروت.
(٢) بدايع الصنائع ٣ / ٣٥.