الاول من هذه الدراسة فاتحدت مطالب هذا العلم بالفلسفة والتفكير الفلسفي ، ( ويكفي الاشارة هنا إلى أن بدء محاولة شرح موضوعات علم الكلام بالموضوعات الفلسفية كانت على يد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ... ولكن الرائد الحقيقي لهذا التطبيق هو نصير الدين الطوسي في كتبه الفلسفية والكلامية خاصة في كتابه ( التجريد ) وليس من الإنصاف العلمي ان نجعل هذه المحاولة بدأت مع عضد الدين الايجبي ونغفل عن الإشارة إلى الرائد الاول لها كما فعل الدكتور ابراهيم مدكور في الفلسفة الإسلامية ) (١).
إن الحقبات المظلمة لتاريخ هذا العلم من التحجر والجمود هو مظهر من مظاهر تاريخ المذهبية المغلقة والتعصب المقيت في تراثنا الفكري حيث لا يرى الباحث الحق إلاّ من خلال معتقده ومذهبه ولا يشاهد في الآخر سوى معالم الكفر والزندقة والانحراف فينبري طاعناً في المذاهب الأخرى رافعاً سيف التشهير والتبري. حتى اشتهر عن الغزالي قوله : ( اعلم ان للفرق في هذا مبالغات وتعصبات انتهى بعض الطوائف إلى تكفير كل فرقة سوى الفرقة التي يعزى إليها ) فكلامه ليس بعيداً عن الواقع التاريخي الذي غابت عنه الموضوعية في عرض المذاهب ودراسته الاديان والمدارس الاخرى وبتأمل متفحص في كتب الملل والنحل نلمح بجلاء هذا الجنوح إلى تزكية ( مذهب الأنا ) وإلغاء الآخر ورميه في قاع جهنم
__________________
١ ـ جعفر آل ياسين ، الفكر الإسلامي عند العرب ، دار المناهل ، ١٩٩٣ ص ٩٨.