أصبح يوماً و قد عزم الله له ، فقال : إنّي كنت أردت أن أكتب السنن ، و إنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها ، فتركوا كتاب الله تعالى ، و إنّي لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً » (١).
فهذه النصوص تؤكّد على أنّ مذهب الشيخين ـ و من بعدهما عثمان و معاوية كما سيأتي ـ كان هو النهي عن حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله و كتابته و تدوينه لأسباب ذكرناها في كتابنا « منع تدوين الحديث » (٢) ، و أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان قد أخبر بوقوع هذا الأمر من بعده بقوله ( يوشك ) الذي هو من أفعال المقاربة ، و قد تحقّق بالفعل من بعده ؛ حيث أخرج أحمد في مسنده و ابن ماجة و أبو داود و الدارمي و البيهقي في سننهم : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « يوشك الرجل متّكئ على أريكته يحدّث بحديثي فيقول : بيننا و بينكم كتاب الله ، فما وجدناه فيه من حلال أحللناه و من حرام حرّمناه » (٣) ، و هذا بعينه ما قاله الخليفة أبو بكر بعد وفاة رسول الله.
_______________________________
(١) تقييد العلم : ٤٩ ، حجية السنة : ٣٩٥ عن البيهقي في المدخل و ابن عبدالبر.
(٢) و كانت خلاصة الكلام أنّ منع الحكام من التحديث و الكتابة و التدوين كان لأسباب ثلاثة : أوّلها : طمس فضائل أهل البيت المفسّرة بإمامتهم و ولايتهم ، و ثانيها : عدم إحاطة الحكام بالأحكام بالأحكام و خوفهم من المدوّنات أن تكشف عن جهلهم ، و ثالثها : فتحهم لأنفسهم باب الرأي و الإفتاء طبق الضرورات و صياغتهم للأحكام من المواقف ، و المدوناتُ تحفظ الأحكام الصادرة عن رسول الله و ترفض فتح باب الرأي والإفتاء.
(٣) مسند أحمد ٤ : ١٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦ / ١٢ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٠٠ / ٤٦٠٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٣٣١ ، دلائل النبوة ١ : ٢٥ ، ٦ : ٥٤٩ ، الإحكام لابن حزم ٢ : ١٦١ ، الكفاية في علم الدراية : ٩.