نعم ، إنّ نهج الاجتهاد و الرأي ـ و تصحيحاً لما ذهب إليه الشيخان ـ نسب كراهة التدوين إلى بعض أعيان الصحابة كابن عبّاس (١) و ابن مسعود (٢) و غيرهما ، لكنّ المراجع لسيرتهم ومواقفهم يعرف سقم هذه النسبة إليهم ، و أن اختلاف النقل عنهم يشير إلى هذه الحقيقة المرّة.
فقد أخرج الخطيب بسنده إلى أبي رافع : كان ابن عبّاس يأتي أبا رافع فيقول : ما صنع رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم كذا ؟ ما صنع رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم كذا ؟ و مع ابن عبّاس ألواح يكتب فيها (٣).
و عن ابن عبّاس قوله : « قيدوا العلم ، و تقييده كتابته » (٤) ، و في آخر : « خير ما قُيّد به العلم الكتاب » (٥) ، و في ثالث : « قيّدوا العلم بالكتاب ، من يشتري منّي علماً بدرهم » (٦).
و عن معن ، قال : أخرج لي عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود كتاباً و حلف لي أنّه خطّ أبيه بيده (٧).
فالنصوص توضّح أنّ ابن عبّاس و ابن مسعود كانا من المدوّنين و المحدثين و أنّ الحقيقة هي أنّ النهي عن تدوين الحديث هو ممّا شرعه الشيخان ، و كان مما يؤرّق أنصارهم و يؤذيهم ، إذ كيف يمكن فرض الحصار على حديث رسول الله و هو صلىاللهعليهوآله المبيّن لأحكام الله ؟
_______________________________
(١) تقييد العلم : ٤٣.
(٢) تقييد العلم : ٣٨ ، ٥٣.
(٣ ـ ٦) تقييد العلم : ٩٢.
(٧) جامع بيان العلم وفضله ١١ : ٧٢.