و هذه النصوص ـ عن هؤلاء الخلفاء ـ تؤكّد مدّعانا ، حيث ترى عثمان و معاوية يؤكدان على عدم جواز نقل حديث لم يسمع به على عهد أبي بكر و عمر ، و هذا معناه إقرارهم لما شرّع و عمل به في عهدهما و النهي عما نَهَيَا عنه دون النظر إلى أصل الحديث صحّةً و سُقْماً ، و صدوره عن النبي صلىاللهعليهوآله أو عدم صدوره.
و الباحث في الفقه الإسلامي يوافقنا فيما قلناه لأنّه غالباً ما يرى أنّ الفقه المطلوب و الحديث المسموح به هو ما يوافق الاتجاه الحاكم « نهج الاجتهاد و الرأي » لا غير ، فلو بحثت عمّا شرعه الخليفة عمر بن الخطّاب أو نهى عنه مثلاً لرأيته مدوّناً موجوداً في كتب الفقه و الحديث و يعمل به اليوم طائفة من المسلمين ، و أمّا الفقه الآخر فلا ترى له عيناً ولا أثراً على الصعيد العملي ، و قد مرّت عليك بعض المفردات الفقهية التي كان وراءها الخليفة عمر ، فترى ما شرّعه عمر و أئمّة الفقه الحاكم هو الشرعيّ ، و ما نهى عنه هو المنهيّ عنه اليوم ، كالنهي عن المتعة ، و مشروعية صلاة التراويح ، و النهي عن الصلاة بعد الصبح و العصر ، و القول بالمسح على الخفّين ، و تربيع التكبيرات على الميت ، و النهي عن تدوين حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فتراها كما قالها عمر بن الخطّاب من ناحية ، و ملقاةً على عواتق آخرين من ناحية أخرى.
لكنّ نهج التعبّد المحض لم يستسلموا لقرارات الخليفة و ما شرّعه و طبّق الرأي فيه ، بل جدّوا لتطبيق ما سنّه الله و رسوله ، فترى علياً لايرتضي الشرط الإضافي الذي أُقْحِمَ متأخّراً في الشريعة ـ يوم الشورى ـ من قبل عبدالرحمن بن عوف.