إذ نصّ المؤرخون على أنّ عبدالرحمن بن عوف قال لعليّ : يا علي ، هل أنت مبايعي على كتاب الله و سنّة نبيّه و فعل أبي بكر و عمر ؟ فقال علي : أما كتاب الله و سنة نبيه فنعم ، و أما سيرة الشيخين فلا (١).
فعليٌّ لم يرتض الشرط الأخير ، و معنى كلامه تَخالُفُ سنة رسول الله صلىاللهعليهوآله مع سيرتهما ـ على أقل تقدير من وجهة نظر الإمام علي ـ لأنّهما ـ [ أي السنة وسيرتهما ] ـ لو كانتا متّحدتين لَلَزِمَ عبدالرحمن أن يعطي الخلافة لعلي ؛ لعدم وجود شيء في سيرة الشيخين يخالف سنة رسول الله صلىاللهعليهوآله و ما نزل به الوحي ، أو لَلَزِم عليّاً الأخذ بسيرتهما ، ولمّا لم يسلّم عبدالرحمن الخلافة و لم يرضَ بها عليّ بهذا الشرط المخترع ، علمنا أنّ هناك تنافيا بينهما و أنّهما ليسا بشيء واحد ؟!
إنَّ رفضَ عليٍّ للشرط المذكور و امتناع ابن عوف تسليم الخلافة له ليؤكّدان على مخالفة سيرة الشيخين للكتاب و السنّة.
حيث إنّ جعل هذا القيد بجنب الكتاب و السنة ليوحي بأنّه هو المطلوب من العملية كلها ، لعدم اختلاف أحد في حجيّة الكتاب و السنة ، وأمّا حجيّة فعل الشيخين فهو المختلف فيه ، فإنّ قرار عمر و ابن عوف بلزوم حسم القضية في ثلاثة أيام مع حتميّة موافقتهم على اجتهادات الشيخين ليشير إلى هذه الحقيقة.
إنّ اتّجاه التعبّد المحض لم يكن على وفاق مع نهج الاجتهاد و الرأي فكرياً ، فابن عوف يريد تطبيق ما سُنَّ على عهد الشيخين ، و رجال التعبد
_______________________________
(١) انظر تاريخ الطبري ٢ : ٥٨٦ ، البداية و النهاية ٧ : ١٤٦ ، سبل الهدى و الرشاد ١١ : ٢٧٨ و غيرها.