والإنصاف إنّ الاستدلال بما رواه زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس في الغسل من أشكل المشكلات سنداً و متناً ، و لعلّ هذا هو الّذي حدا بابن حجر و غيره من الأعلام أن يتردّدوا بما رواه أبو داود في الإسناد الأوّل « ب » عن هشام بن سعد ، لأنّ الاضطراب في المتن جعلتهم يتوقفون عن البتّ بضرس قاطع في معناها ، بل جدّوا في تأويلها و القول بأنّ جملة « وضع يده الأخرى تحت النعل » هي استعمال مجازي للكلمة. أريد منه باطن القدم ، فلو كانوا جازمين بما يقولون لَما تردّدوا في كلامهم. وعليه تكون الروايات الغسليّة عن ابن عبّاس مضطربة متناً ، و هذا الاضطراب ما يُستشعر من كلام ابن حجر حيث قال : ( ... و أمّا قوله « تحت النعل » فإن لم يحمل على التجوّز عن القدم ، و إلاّ فهي رواية شاذّة ، وراويها هشام بن سعد لا يحتجّ بما تفرّد به ، فكيف إذا خالف ) (١).
نعم ، إنّ البيهقي نقل خبر هشام و الروايات الغسليّة عن ابن عبّاس ، ثمّ قال : ( ... فهذه الروايات اتفقت على أنّه غسلهما ، و حديث الدراوردي يحتمل أن يكون موافقاً ، بأن يكون غسلهما في النّعل ، و هشام بن سعد ليس بالحافظ جداً فلا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات الأثبات ، كيف و هم عدد و هو واحد ) (٢).
وعلّق ابن التركماني على قول البيهقي بقوله :
( ... قلت : حديث هشام أيضاً يحتمل أن يكون موافقاً لها ؛ بأن يكون
_______________________________
(١) فتح الباري ١ : ١٩٤.
(٢) السنن الكبرى ، للبيهقي ١ : ٧٣.