المسحيّة عن ابن عبّاس : فنجمل القول فيها بعدة نقاط :
الأولى : اتّفاق النصوص المسحيّة في صراحة المسح عن ابن عبّاس ـ بخلاف الغسليّة ـ إذ المسحيّة كلّها تشير إلى حقيقة واحدة ، و هي أنّ الوضوء ما هو إلاّ غسلتان و مسحتان ، و أن كان في بعضها زيادة « ألا ترى أنّه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين و ترك المسحتين » (١).
و في نقل هذه الزيادة عن ابن عبّاس إشارة إلى أنّ مخالفيه كانوا من أصحاب الرأي والاستحسان ، و لأجله قرّب لهم الأمر طبقاً للرأي الّذي يتبنّونه و يعتقدون به ، و مثله الحال بالنسبة إلى استدلاله بالقرآن و اعتراضه على الربيع بما نسبت من وضوءٍ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أي أنّ ابن عبّاس استدلَّ على صحة كلامه بثلاثة أدلّة :
١ ـ القرآن الكريم ، لكونه الأصل الأول في التشريع الإسلامي ، و هو ما أراد الخلفاءُ حصر الاستدلال به ، فقال للربيّع ـ وفقاً لما دَعَوا له من الاستدلال ـ : لا أجد في كتاب الله إلاّ مسحتين وغسلتين.
٢ ـ السنّة النّبويّة ، فإنّ رفضه لنقل الربيع يرشدنا إلى أنّ ابن عبّاس لا يقبل نسبة هذا المنقول إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لكونه هو قد عاصره صلىاللهعليهوآله و بات في بيته و رأى وضوءه و صلى معه و شمله دعاؤه و ...
٣ ـ إلزامهم بما يعتقدون به من وجوه التأويل و التفسير و الرأي ، مع تأكيدنا على أنّ ابن عبّاس كان لا يرتضي الرأي بل يتعبد بالنصوص القرآنية و الحديثية ، و أن تمسّكه بهذه الجملة جاء من باب إلزام الآخرين
_______________________________
(١) مصنف عبدالرزاق ١ : ١٩ / ح ٥٤.