فكان مطلوب المؤلف فيما اصطلح عليه هو الوصول إلى إمكان انتساب الواقعة الفقهية إلى الشخصية الفلانية و عدمه و ثبوتاً ـ كما يقول الأصوليون ـ بغضّ النظر عن ادّعاء وقوعه و عدم وقوعه في الخارج العملي ، ثمّ تطبيق هذه الحصيلة على النتائج المتوصّل إليها من خلال البحثين السندي و الدلالي ، للخروج بالنتيجة إثباتاً على الواقع الخارجي.
فالمؤلف طرح ـ بعد فراغه من مناقشة الأسانيد و المتون ـ بعض الكليات في تاريخ التشريع للاستعانة بها عند الترجيح بين النقولات ، فمثلاً رجّح المؤلّف نسبة المسح إلى ابن عباس و ذلك من خلال دراسة المباني الفقهية و الملابسات العقائدية و التاريخية المحيطة بابن عباس و مروياته ، وما نقل عنه في الوضوء على وجه الخصوص ، و بعد ذلك المخاض العسير علم من دراسته السندية و المتنية و ما قدّمه في نسبة الخبر إلى عبدالله بن عباس من معطيات بصراحة أنّ مذهبه هو المسح لاغير ، و أنّ ما روي عنه في الغسل لا يمكن أن يعارض ما ثبت عنه من المسح ؛ لأنّه لا يعدو أن يكون إمّا منكراً أو شاذاً ، و أنّ المتبنّين للوضوء الغسلي ـ لمآرب لهم ـ نسبوا هذا الوضوء المبتدع إلى ابن عباس و هو منه براء ، و من المعلوم أنّ الرواية التي هذا حالها لا يمكنها أن تقاوم الصحيح المحفوظ عن ابن عباس ، والذي ينسجم تماماً مع شخصيته الفقهية و العقائدية و السياسية.
و إليك الآن خلاصة البحث حول ابن عباس و مذهبه الوضوئي ، لتقف على حقيقة الأمر ، و لتكون على بيّنة في معرفة ملابسات الأحكام الشرعية و تاريخ التشريع الإسلامي.