هذا ، ولم يكن العباسيون أقلّ وطأة على فقه علي و ابن عبّاس من الأمويين ، فعن المنصور العباسي أنّه طلب من الإمام مالك أن يكتب له الموطأ بقوله : يا أبا عبدالله ضع هذا العلم و دوّنه و تجنّب فيه شواذّ عبدالله بن مسعود ، ورُخَص ابن عبّاس ، وشدائد ابن عمر ، واقصد إلى أوسط الأمور ، و ما اجتمع عليه الأئمّة و الأصحاب ، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك و كتبك و نبثّها في الأمصار ، و نعهد إليهم ألاّ يخالفوها ولا يقضوا بسواها (١).
و في آخر قول مالك للمنصور : إنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله تفرّقوا في البلاد ، فأفتى كلٌّ في مصره بما رأى ، و أن لأهل البلد ـ يعني مكة ـ قولاً ، و لأهل المدينة قولاً ، و لأهل العراق قولاً تعدّوا فيه طورهم.
فقال المنصور : أمّا أهل العراق فلا أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ، و أمّا العلم عند أهل المدينة ، فضع للناس العلم (٢).
و في نص آخر قال المنصور لمالك : يا مالك ، أراك تعتمد على قول ابن عمر دون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ فقال : يا أميرالمؤمنين إنّه آخر من بقي عندنا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فاحتاج الناس إليه ، فسألوه و تمسّكوا بقوله.
فقال : يا مالك ، عليك بما تعرف إنّه الحق عندك ، ولا تقلّدنَّ عليّاً
_______________________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٥٠.
(٢) انظر الإمام مالك للدكتور مصطفى الشكعة : ١٣٣ عن ترتيب المدارك : ٣٠ ـ ٣٣.