وقد كتب زيد إلى ابن عباس في ذلك ، و فيه قوله : إنّي وجدتُ الذي قُلتَ كما قُلتَ. فقال ابن عباس : إنّي لأَعلمُ قولَ رسول الله صلىاللهعليهوآله للنساء ، ولكنّي أحببت أن أقول بما في كتاب الله ، ثمّ تلا هذه الآية ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) ، فقد قضت الثَّفَث ، ووفَّت النَّذر ، وطافت بالبيتِ ، فما بَقِيَ ؟! (٢)
فابن عباس استدل لهم بالقرآن المجيد ، مع أنّه كان يعلم هذا الحكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، و مع ذلك ظلّوا يماطلون في الأخذ عنه ، ولم ينصاعوا له إلاّ بعد اللُّتَيّا و الّتي.
و ليت من خالف ابن عبّاس من الصّحابة لا يدّعي أنّ ما عنده من قول أو فعل هو الصواب ، مشعراً بأنّ ذلك عن الله و رسوله ، و ملّوحاً إلى أنّ ما عند ابن عبّاس و أمثاله ـ ممن لا يحكي إلاّ عن الله و الرّسول و القرآن ـ خطأ ، فإنّهم لو لم يفعلوا ذلك لَمَا ضاع ما ضاع من السّنّة.
فقد صح عن طاووس ـ تلميذ ابن عبّاس ـ عن ابن عبّاس ، قال : رُخِّص للحائض أن تنفر إذا أفاضت ، قال : و سمعت ابن عمر يقول أنّها لا تنفر. ثمّ سمعتهُ يقول بَعْدُ : إنّ رخَّص لهنّ (٣).
فلماذا وصل الأمر بالناس إلى هذا ؛ و إنّي أترك القارئ ليحكم فيما ادعيناه !!
_______________________________
(١) الحج : ٢٩.
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٦٣ / ح ٩٥٤٣.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٢٢٠ باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت.