ثم اختلف الذاهبون إلى هذا التأويل على وجوه ستة :
( الأول ) أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يتكلم بذلك ولا تكلم الشيطان به أيضا ، ولكنه عليه الصلاة والسلام لما قرأ سورة ( وَاَلنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ ) اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظ ما قرأه « تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى » وذلك على حسب ما جرت العادة من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال ، وهذا فاسد لوجوه ثلاثة :
( الأول ) أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما قد جرت العادة بسماعه ، فأما غير المسموع فلا يقع فيه ذلك.
( الثاني ) أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم لبعض السامعين دون البعض ، فإن العادة مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة على خيال فاسد في المحسوسات.
( الثالث ) لو كان كذلك لم يكن ذلك مضافا إلى الشيطان.
( الوجه الثاني ) أن يكون عليه الصلاة والسلام تكلم بذلك إما عامدا أو ساهيا. أما العمد فغير جائز. لأنه تخليط في الوحي. وذلك يوجب زوال الثقة عن كل ما جاء به.
( فإن قلت ) لعله قد ذكر ذلك استفهاما على سبيل الإنكار؟
( قلت ) هب أنه كذلك لكن قراءته في أثناء قراءة القرآن مع كونه على ذلك الوزن توهم كونه منه ، فيعود المحذور المذكور. أما السهو فغير جائز أيضا لأنه لو جاز وقوع السهو هاهنا لجاز في غيره وحينئذ ترتفع الثقة بالشرع. ولأن الساهي لا يجوز أن يقع مثل هذه الألفاظ مطابقة لوزن هذه السورة وطريقتها ومعناها. فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق فيه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها.