( الثالث ) أن يكون الشيطان أجبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على التكلم وهذا أيضا فاسد لوجوه ثلاثة : ( الأول ) أن الشيطان لو قدر على ذلك لوجب القياس أن يزل الشيطان ولجاز في أكثر ما يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان (الثاني) أن الشيطان لو تمكن من إجبار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك لارتفع الإيمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال.
( الثالث) قوله تعالى حاكيا عن الشيطان ( وَمٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُكُمْ) الآية (١) وقال تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا ) الآيتان (٢). وقال ( إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ) (٣) فاعترف بأنه لا سبيل له عليهم. ( الرابع ) أن يكون ذلك الكلام كلام الشيطان وذلك بأن يلفظ بكلام من تلقاء نفسه في درج تلك التلاوة في بعض وقفاته ليظن أنه من جنس الكلام المسموع منه عليه السلام وهو غير ممتنع لأنه لا خلاف أن الجن والشياطين متكلمون فلا يمتنع أن يسمع الشيطان من غير أن يرى صورته فإذا سمع كلامه في أثناء كلام آخر لم يبعد أن يظن السامعون كون ذينك الكلامين من ذلك الشخص المبصر ثم هذا لا يكون قادحا في النبوة لما لم يكن فعلا للنبي.
ولقائل أن يقول : إذا جوزتم أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بما يشتبه على كل السامعين حتى يظنوه كلاما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول عليه الصلاة والسلام فتفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع.
( الجواب ) : أن ذلك الاحتمال قائم ، ولكنه لو وقع لوجب
__________________
١ ـ سورة ابراهيم آية ٢٢.
٢ ـ سورة النحل آية ٩٩.
٣ ـ سورة الحجر آية ٤٠.