في حكمة اللّه تعالى أن يشرح الحال فيه كما في هذه الواقعة إزالة للتلبيس.
( الخامس ) : أن المتكلم بذلك بعض الكفرة ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما انتهى من قراءة هذه السورة إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته أنه يعيبها ، فقال بعض من حضر من الكفار : « تلك الغرانيق العلى » فاشتبه على القوم ، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ويكثرون من الكلام طلبا لتغليطه وإخفاء قراءته. وممكن أن يكون أيضا في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال الصلاة ويسمعون قراءته ويلغون فيها ، وقيل : إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات ، فألقى بعض الحاضرين ذلك الكلام في تلك الواقعات فتوهم القوم أنه من قراءته عليه الصلاة والسلام ثم أضاف اللّه ذلك إلى الشيطان لأنه بوسوسته حصل ، أو لأنه جعل ذلك المتكلم شيطانا.
( السادس ) : أن المراد بالغرانيق الملائكة وقد كان ذلك قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلما توهم المشركون ١ أنه يريد آلهتهم نسخ اللّه تلاوته.
__________________
١ ـ قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ( ج ٢ ص ١٦٨) قد بينا في السالف من كتابنا هذا وفي غير موضع عصمة الأنبياء صلوات اللّه عليهم من الذنوب وحققنا القول فيما نسب إليهم من ذلك وعهدنا إليكم عهدا لن تجدوا له ردا : ان أحدا لا ينبغي أن يذكر الأنبياء الا بما ذكره اللّه لا يزيد عليه. فان أخبارهم مروية وأحاديثهم منقولة بزيادات تولاها أحد رجلين : أما غبي عن مقدارهم ، واما بدعى لا رأى له في برهم ووقارهم فيدس تحت المقال المطلق الدواهي ولا يراعى الادلة ولا النواهي ـ الى أن قال : وهذه الروايات كلها ساقطة الاسانيد. انما الصحيح منها ما روى عن عائشة أنها قالت : « لو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانما من الوحي شيئا لكتم هذه الآية ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ ) يعني بالاسلام ( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) يعني بالعتق ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاِتَّقِ اَللّٰهَ