أنه لم يظهر ذلك خوفا من ألسنة المنافقين فاللّه تعالى عاتبه في التفات قلبه إلى الناس فقال ( وَتَخْشَى اَلنّٰاسَ وَاَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ ) (١).
( الثالث ) أن زيدا لما نكح زينب وجدها ذات جمال وعفة وقوة وعقل وحسن خدمة فبدا له أن ينزل عنها لينكحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولما رآها صالحة لصحبته خدمة له منه وقربة إلى اللّه تعالى بإيثار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسه في حظ مباح. فجاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعرض عليه الأمر ولم يكن ذلك منكرا عنده عليه الصلاة والسلام غير أن زيدا تبناه النبي عليه الصلاة والسلام وكان التزوج بامرأته محرما في الجاهلية ، فعلم أنه لو نكحها أطالوا ألسنتهم فيه وكانوا على قرب عهد من الإسلام يحترزون عن مثل هذه الأمور ، فامتنع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن نكاحها وقال له ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) مع ما في قلبه من الرضا حذرا عما ذكرناه فنزلت هذه الآية ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللّٰهُ مُبْدِيهِ ) يعني من إضمار الرضى ( وَتَخْشَى اَلنّٰاسَ) يعني تستحي منهم أن يقولوا نكح زوجة ابنه ( وَاَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ ) في إظهار أمر غير ما تضمره.
( الرابع ) أن زينب طمعت في أول أمرها أن يتزوج بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما خطبها الرسول لزيد شق ذلك عليها وعلى أخيها وأمها ،
__________________
١ ـ فاخبر الله تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والناس بما كان يضمره من ايثار ضمها الى نفسه ليكون ظاهر الأنبياء عليهم السلام وباطنهم سواء ، ولهذا قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم للانصار يوم فتح مكة وقد جاء عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسأله أن يرضى عنه وكان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قبل ذلك أهدر دمه وأمر بقتله فلما رأى عثمان أستحي من رده وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلك انتظارا منهم لامر رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فقال للانصار : أما كان فيكم رجل يقوم إليه فيقتله فقال له عباد بن بشر يا رسول الله أن عيني في عينك انتظارا أن تؤمئ الي فأقتله فقال له رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : الأنبياء لا تكون لهم خيانة أعين والله أعلم.