حتى نزل قوله تعالى ( مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاٰ مُؤْمِنَةٍ) الآية (١) فعند ذلك انقادوا كرها ، فلما بنى بها زيد لم تساعده ونشزت عنه لاستحكام طمعها في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واستحقارها زيدا ، فشكاها إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) وأخفى في نفسه استحكام طمعها فيه ، لأنه عليه الصلاة والسلام لو ذكر ذلك لزيد لتنغصت عليه تلك النعمة ، ولقال المنافقون إنه إنما قال ذلك طمعا في تلك المرأة.
فهذه وجوه سوى ما ذكره الطاعنون في أنبياء اللّه تعالى ورسله وكلها محتمل.
( فإن قلت ) هب أن الأمر كذلك ، ولكن قوله تعالى : ( وَتَخْشَى اَلنّٰاسَ وَاَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ ) يدل على أن ذلك الإخفاء ما كان جائزا له.
( قلت ) أكثر ما فيه أنه أخفى ذلك اتقاء لسوء كلام المنافقين ولو أنه أظهره وتحمل سوء مقالتهم لكان أكثر ثوابا فيه ، فيرجع حاصله إلى ترك الأولى والأفضل فليس ذلك من الذنب في شيء ، فأما الذين يذكرون من أنه عشقها فهو من باب الآحاد والأولى تنزيه منصب الأنبياء عن مثله لا سيما والقرآن لا يدل عليه البتة. ثم على تقدير الصحة ففيها روايتان : منهم من يقول بأنه عليه الصلاة والسلام لما رآها وعشقها حرمت على زيد. وهذا قطعا غير صحيح لأنه لو كان كذلك لكان أمره لزيد بإمساكها أمرا بالزنا ولكان وصفه إياها بكونها زوجه كذبا وهذان الأمران لا يليقان بالمسلمين فضلا عن أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومنهم من لا يقول بحرمتها على زوجها. ولكن يقول يجب على الزوج تطليقها والنزول عنها ، وقالوا : والمعنى فيه امتحانا للزوج
__________________
١ ـ سورة الأحزاب آية ٣٦.