وهذا غاية التقريع في تخطئتهم في أخذ الفداء من جهة التدبير.
( فإن قلت) فإن كان ذلك محللا لهم فما هذا التقريع البالغ؟ ( قلت) لأن ذلك من باب الحروب ، وما كان من ذلك الباب فقد يقع الخطأ فيه من جهة التدبير ويقرع ذلك المخطئ ، وإن كان غير مذنب.
الشبهة الخامسة
أنه لما استأذنه قوم في التخلف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم فقال اللّه تعالى ( عَفَا اَللّٰهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) (١) والعفو لا يكون إلا بعد الذنب ، فدل على أنه كان مذنبا.
( الجواب) أن العفو يقتضي ترك المؤاخذة ، وقوله ( لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) مؤاخذة. فلو أجرينا قوله تعالى ( عَفَا اَللّٰهُ عَنْكَ ) على ظاهره لزمت المناقضة. فعلمنا أنه ليس المراد ذلك ـ ما جوابك عن كلامي ـ مثلا إنما المراد التلطف في المخاطبة. كما يقال : أنت رحمك اللّه وغفر لك ، وإن لم يكن هناك ذنب البتة ، وأيضا فهذا من باب التدبير في الحرب. وقد بينا أن تارك الأفضل فيه قد يقرع ويوبخ (٢).
الشبهة السادسة
قوله تعالى ( وَوَضَعْنٰا عَنْكَ وِزْرَكَ ) الآية (٣) صريح في الذنب ( جوابه) من وجوه :
__________________
١ ـ سورة التوبة آية ٤٣.
٢ ـ ليس هناك من داع للتهرب من اثبات الذنب الذي اثبته إليه تعالى بقوله « ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر » طالما أن المدلول واضح فيها.
٣ ـ سورة الشرح آية ٢.