( الأول ) أنه إما أن يكون قد أوحى له في جواز الأسر وخطر إليه شيء ، أو ما أوحى إليه شيء ، فإن كان قد أوحى إليه شيء لم يجز للنبي عليه الصلاة والسلام أن يستشير أصحابه فيه لأن مع قيام النص وظهور الوحي لا يجوز الاشتغال بالاستشارة ، وإن لم يوح إليه شيء البتة لم يتوجه عليه ذنب البتة.
( الثاني ) أن ذلك الحكم لو كان خطأ لأمر اللّه تعالى بنقضه ، فكان يؤمر بقتل الأسرى ويرد ما أخذ منهم ، قلنا : لما لم يكن كذلك بل قال ( فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلاٰلاً طَيِّباً) (١) علمنا أنه لم يوجد الخطأ في ذلك الحكم البتة.
( الثالث ) أنه عليه الصلاة والسلام لم يشتغل بالاستغفار واللوم ، وذلك يدل على عدم الذنب على ما تقدم. وإذ قد بينا ذلك فنقول : كما يأتي العتاب على ترك الواجب فقد يأتي أيضا على ترك الأولى ، والأولى في ذلك الوقت الاثخان وترك الفداء قطعا للاطماع وحسما للنزاع ولو لا أن ذلك من باب الأولى لما فوض النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك إلى الأصحاب وهذا هو العذر عن قوله ( مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ ) فأما قوله ( تُرِيدُونَ عَرَضَ اَلدُّنْيٰا ) فهو خطاب جمع فيصرف ذلك إلى القوم الذين رغبوا في المال (٢) وأما قوله ( لَوْ لاٰ كِتٰابٌ مِنَ اَللّٰهِ ) فمعناه لو لا ما سبق من تحليل الغنائم لعذبتكم بسبب أخذكم هذا الفداء (٣) ،
__________________
١ ـ سورة الانفال آية ٦٩.
٢ ـ وهذا يدل على أن المعاتب في شأن الاسارى هو غير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بل يجب أن يكون سواه والقصة معروفة لان الله تعالى أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله تعالى : ( فَاضْرِبُوا فَوْقَ اَلْأَعْنٰاقِ وَاِضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنٰانٍ ) وبلغ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك الى أصحابه فسهوا عن ذلك وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين أن الذي أمر به سواه.
٣ ـ روى المؤلف في تفسيره ٤ / ٣٩٩ ان أبا بكر قال : الاولى ان تأخذ الغداء لتقوى العسكر به على الجهاد.