في كتابه الكريم المنزل على خاتمهم وإمامهم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم من نبأ أولئك الأنبياء ما أبان عن جليل قدرهم وسامي مكانتهم وشريف مواقفهم في الذب عن دين اللّه الحق ، والصبر على ما لقوا من قومهم من أذى لا يصبر عليه ولا يطيقه إلا اولئك المرسلون الصادقون ، فحلوا من نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونفوس أصحابه وأتباعهم أكرم منزلة وأسمى مكانة وكانت لهم بهم أحسن قدوة. وذلك هو الذي قصد اللّه تعالى إليه وأراده من هذه القصص ، وما زاد الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ولا أصحابه عن هذا القدر الطيب النافع ، وما سمعنا عن أحد منهم أنه ناقش النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في كيف أكل آدم من الشجرة وكيف عصى ربه؟ وهذا القصص الذي هو أصرح شيء في وصف المعصية ، ولا ناقشوا الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في غير آدم من الأنبياء على هذا المنحى الذي نحاه المتأخرون ، ولا واللّه ما كان أولئك الصحابة أقل معرفة لمكانة الأنبياء من أولئك المتأخرين ، ولا أقل احتراما وإجلالا لشأنهم من أولئك المتكلفين ما لا يعنيهم والداخلين فيما ليس من شئونهم. وإنما هي القلوب السليمة ، والقلوب السقيمة.
فأما الصحابة فكانت قلوبهم على فطرتها السليمة بعيدة من شكوك الشياطين وشبهاتهم فنزل عليها كلام اللّه بردا وسلاما وسالت أوديتها بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ، بقيت القلوب مفعمة بذلك العلم الصافي من أقوال الخلق وأهوائهم وكانوا كلما تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا على إيمانهم وهداية على هدايتهم ونورا على نورهم ( أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ اَلْإِيمٰانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) (١) ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اَلْإِيمٰانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ اَلْكُفْرَ وَاَلْفُسُوقَ وَاَلْعِصْيٰانَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلرّٰاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اَللّٰهِ وَنِعْمَةً ) (٢).
__________________
١ ـ سورة المجادلة ، الآية ٢٢.
٢ ـ سورة الحجرات ، الآية ٧ ـ ٨.