الخاصة بينه وبين اللّه تعالى ، فجاء الخصوم فلم يجدوا طريقا فتسوروا عليه. وليسوا ملائكة ولا ضرب بهم المثل. وإنما هم قوم تخاصموا في نعاج على ظاهر الآية. فلما وصلوا إليه حكم فيهم ثم أنه من شدة خوفه وكثرة عبادته خاف أن يكون اللّه سبحانه قد فتنه بذلك : إما لاشتغاله عن الحكم بالعباد ذلك اليوم. وإما لاشتغاله عن العبادة بالحكم تلك اللحظة وظن أن اللّه فتنه أي امتحنه واختبره ، أهل يترك الحكم للعبادة أو العبادة للحكم؟ فاستغفر ربه. فاستغفاره لأحد هذين الأمرين المظنونين أعني تعلق الظن بأحدهما. قال اللّه تعالى : ( فَغَفَرْنٰا لَهُ ذٰلِكَ ) فاحتمل المغفور أحد هذين الأمرين ، واحتمل ثالثا وهو ظنه أن يكون اللّه لم يردّ فتنته ، وإنما أراد إظهار كرامته. وانظر قوله تعالى : ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنٰا لَزُلْفىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ) (١) كيف يقتضي رفعة قدره.
وقوله : ( يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ ) (٢) يقتضي ذلك ويقتضي ترجيح الحكم على العبادة. وعلى أي وجه من الأوجه الثلاثة حملته حصل تبرئة داود عليه السلام مما يقوله القصاص وكثير من الفضلاء ا ه.
وللإمام ابن القيم رحمه اللّه تعالى في كتاب « مفتاح دار السعادة » فصول قيمة جدا في الكلام على قصة آدم عليه السلام وما فيها من الحكم البالغة والمعاني السامية ، وله فصول في آخر الجزء الثاني في فضل توبة آدم ومزيتها من أحل وأبدع ما كتب الكاتبون تريك أن ذلك كان من أعظم نعم اللّه على آدم ، وإكرامه. فطالعه فإنه ينفعك. وصلى اللّه على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
١ ـ سورة ص الآية ٤٠.
٢ ـ سورة ص الآية ٢٦.