فلما أقرا إبليس أنه لا يغوي المخلصين ، وشهد اللّه بأن هؤلاء من المخلصين ثبت أن إغواء إبليس ووسوسته ما وصلت إليهم ، وذلك يوجب القطع بعدم صدور المعصية عنهم.
( الحجة العاشرة ) قال اللّه تعالى ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّٰ فَرِيقاً مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ ) (١) فهؤلاء الذين لم يتبعوا إبليس إما أن يقال : إنهم الأنبياء أو غيرهم ، فإن كانوا غيرهم لزم أن يكونوا أفضل منهم ، لقوله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ ) (٢) وتفضيل غير النبي على النبي باطل بالإجماع. فوجب القطع بأن اولئك الذين لم يتبعوا إبليس هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكل من أذنب فقد اتبع إبليس فدل هذا على أن الأنبياء صلوات اللّه عليهم ما أذنبوا.
( الحجة الحادية عشرة ) أنه تعالى قسم المكلفين إلى قسمين : حزب الشيطان كما قال تعالى ( أُولٰئِكَ حِزْبُ اَلشَّيْطٰانِ أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَلشَّيْطٰانِ هُمُ اَلْخٰاسِرُونَ) (٣) وحزب اللّه كما قال تعالى ( أُولٰئِكَ حِزْبُ اَللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) (٤) ولا شك أن حزب الشيطان هو الذي يفعل ما يريد الشيطان ويأمره به. فلو صدرت الذنوب عن الأنبياء لصدق عليهم أنهم من حزب الشيطان ، ولصدق عليهم قوله تعالى ( أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَلشَّيْطٰانِ هُمُ اَلْخٰاسِرُونَ ) ولصدق على الزهاد من آحاد الامة قوله تعالى ( أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) وحينئذ يلزم أن يكون واحد من آحاد الأمة أفضل بكثير من الأنبياء ، ولا شك في بطلانه.
__________________
١ ـ سورة سبأ الآية ٢٠.
٢ ـ سورة الحجرات الآية ١٣.
٣ ـ سورة المجادلة الآية ١٩.
٤ ـ سورة المجادلة الآية ٢٢.