( الأول ) أن القطع عليه أن اللّه تعالى يعذب الكافر لا يعرف إلا بالسمع ، فلعل إبراهيم عليه السلام لم يجد في شرعه ما يدل على القطع بعذاب اللّه تعالى الكافر. فلا جرم استغفر لأبيه.
( الثاني ) أن الاستغفار قد يكون بمعنى الاستبطاء كما في قوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاٰ يَرْجُونَ أَيّٰامَ اَللّٰهِ ) (١).
( الثالث ) أنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه لأنه كان يرجو منه الإيمان ، فلما أيس من ذلك ترك الاستغفار. ويدل عليه قوله تعالى ( فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (٢) وأما قوله (مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) (٣) فليس في لفظ النبي عموم ، لما ثبت في أصول الفقه أن الاسم المفرد المحلي بالألف واللام لا يقتضي العموم فإذا حملنا النبي على رسولنا عليه الصلاة والسلام لم يلزم أن يتناول إبراهيم عليه السلام ، وأما الآية الثانية فهي على أنه لا يجوز التأسي به في ذلك الاستغفار ، فلم يدل على أن الاستغفار لم يكن جائزا له. ولكنا نحمل الاستغفار الذي أتى به على استبطاء العقاب أو تخفيفه ، أو على أنه ما كان عالما بكيفية الأحوال.
( فائدة ) اختلف المفسرون في الموعدة المذكورة في قوله تعالى ( إِلاّٰ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ ) (٤) فقيل : وعد الأب ابنه بالإيمان ، وقيل : وعد الابن أباه بالاستغفار. والأول أولى على قولنا إنه لا يجوز الاستغفار للكافر ، لأن وعد الابن أباه بالاستغفار لو وعد
__________________
١ ـ راجعت كتب اللغة وكتب التفسير ومنها تفسير الفخر الرازي. فلم أجد هذا المعنى للاستغفار أصلا ، بل كل معنى الاستغفار يدور على التغطية والعفو والصفح خصوصا في آية الجاثية ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا ـ ٢٤١ ).
٢ ـ سورة التوبة الآية ١١٤.
٣ ـ سورة التوبة الآية ١١٣.
٤ ـ سورة التوبة الآية ١١٤.