أقول لمسعود بجرعاء مالك |
|
وقد هم دمعي أن يلج أوائله |
والدمع لا يجوز عليها العزم وإنما أراد أنه كاد وقارب.
( الرابع ) : الشهوة وميل الطباع لأن الإنسان قد يقول فيما يشتهيه هذا من همي فثبت أن الهم مستعمل في هذه المعاني.
فإن حملناه على العزم ففيه وجهان :
( الأول ) : أن الهم في ظاهر الآية معلق بذاته وذاتها. وذلك غير جائز لأن الذوات لا تراد فلا بد من ترك هذا الظاهر وتعليق الهم بشيء غير الذات. وإذا ثبت هذا فنقول : ليس تعليقه ببعض الأمور أولى من تعليقه بالباقي إلا للدليل فأما همها فكان متعلقا بالفاحشة دون سائر الأمور وذلك للنص والإجماع. أما النص فقوله تعالى ( وَقٰالَ نِسْوَةٌ فِي اَلْمَدِينَةِ اِمْرَأَتُ اَلْعَزِيزِ تُرٰاوِدُ فَتٰاهٰا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهٰا حُبًّا إِنّٰا لَنَرٰاهٰا فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ ) (١) وقوله ( وَرٰاوَدَتْهُ اَلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهٰا عَنْ نَفْسِهِ ) (٢) وقوله تعالى حاكيا عنها ( اَلْآنَ حَصْحَصَ اَلْحَقُّ أَنَا رٰاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ اَلصّٰادِقِينَ ) (٣) وفي موضع آخر ( وَلَقَدْ رٰاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ) (٤) وأما الإجماع فهو أن المفسرين اتفقوا على أنها همت بالمعصية والفاحشة. وأما همه فقد دللنا على أنه لا يجوز أن يكون متعلقا وبالفاحشة وليس في ظاهر الآية ما يقتضيه فلا جرم علقناه بدفعه إياها عن نفسه كما يقول القائل : لقد كنت هممت بفلان أي بأن أوقع به ضربا.
لا يقال : فأي فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى : ( لَوْ لاٰ أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ ) (٥) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان
__________________
١ ـ سورة يوسف الآية ٣٠.
٢ ـ سورة يوسف الآية ٢٣.
٣ ـ سورة يوسف الآية ٥١.
٤ ـ سورة يوسف الآية ٣٢.
٥ ـ سورة يوسف الآية ٢٤.