عنه لأنا نقول يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها أرى برهانا على أنه لو قدم على ما هم به أهلكه أهلها وقتلوه ، وأنها تدعي عليه المراودة على القبيح وتنسبه إلى أنه دعاها إلى نفسه وضربها لامتناعها منه. فأخبره اللّه تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمراودة وظن القبح واعتقاده فيه. لا يقال : فهذا يقتضي أن يكون جواب لفظة ( لو لا ) متقدما عليها ويكون التقدير لو لا أن رأى برهان ربه لهم بقربها ، وتقدم جواب ( لو لا ) غير جائز. لأنا نقول : لا نسلم أن تقدم جواب (لو لا) غير جائز وسيأتي تقريره ، سلمنا ذلك ولكن لا حاجة بنا إليه في هذا المقام ، لأن العزم على الضرب والهم قد وقع إلا أنه انصرف عن فعله بسبب البرهان. وتقدير الكلام : ولقد همت به وهم بدفعها لو لا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك. والجواب محذوف مضمر.
( الوجه الثاني ) : في حمل الهم على العزم أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير ، والتقدير : ولقد همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهم بها ويجري ذلك مجرى قولك : قد كنت هلكت لو لا أن تداركته ، وقد استبعد الزجاج (١). وعلي بن عيسى (٢) هذا الجواب من وجهين :
( الأول ) : أنه لا يجوز تقدم جواب لو لا. ( الثاني ) : جوابه يكون باللام كقوله (فَلَوْ لاٰ أَنَّهُ كٰانَ مِنَ اَلْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ) (٣).
( والجواب ) : أنا لا نسلم أنه لا يجوز التقديم ، والدليل عليه قوله تعالى : ( إِنْ كٰادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لاٰ أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا ) (٤)
__________________
١ ـ هو ابراهيم بن السري الزجاج ، عالم بالنحو واللغة ، ولد ومات في بغداد ت ٣١١ ه.
٢ ـ هو علي بن عيسى الريعي ، عالم بالنحو واللغة ت ٤٢٠ في بغداد.
٣ ـ سورة الصافات الآية ١٤٣.
٤ ـ سورة القصص الآية ١٠.