صورة ما شاء ركبه ، وزاد في كرامته أن نفخ فيه من روحه ، ووهبه الإنسانية العاقلة المفكرة المميزة التي ميزه بها على كل ما خلق ، وذلك لأنه أعده لأسمى الوظائف وخلقه لأشرف الأعمال : أن يتلقى العهد عن ربه فيعبده ويعرف نعم اللّه عليه فيقدرها ويشكرها ، ويثني على اللّه الثناء الذي يحبه ويشغل قلبه ولسانه وجوارحه بذكر اللّه وشكره رجاء أو خوفا ورغبة ورهبة وذلا وخضوعا.
ولقد امتحن اللّه تعالى الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنواع الفتن : من مال وبنين ، ونساء ، وأخوان وأصدقاء ، ورياسات وسعى في سبل العيش وتحصيل أسباب الحياة ، مما كان للّه عند أكثر الناس أعظم الأثر في صرف قلوبهم عن وظيفة العبودية وواجب الإلهية ، ولم يكن له عند خيار خلقه وصفوتهم إلا منزلة الضرورة يأخذون منها حاجتهم غير متجانفين ولا معتدين ثم رغد عيشهم ولذة قلوبهم وراحة أرواحهم في ذكر اللّه والثناء عليه بما هو أهله. وإنما كان ذلك الافتتان بتلك الشواغل ، وهذه الفواتن ليعلم اللّه الذين صدقوا وليعلم الكاذبين ، فقد جرت سنة اللّه التي لا تبدل أنه ما من لذة أتم ولا نعيم أوفر مما يكون ثمرة لجهاد وصبر ، وركوب المشاق والصعاب ، وإعمال مطايا النفس في السعي الحثيث إلى ما تحبه من تلك اللذائذ وهذا النعيم. وأن العبد لا يظفر في ميدان الجهاد ببغيته ، ويحظى بغنيمته إلا إذا كان كامل العدة موفور القوة ، قد اتخذ للنصر أسبابه وتهيأ للغنيمة بآلات النجاح والسداد ، وما عدة المجاهد في هذا الميدان وسلاحه وذخيرته إلا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتوثيق الصلة الروحية بين العبد وبين ربه خالقه وبارئه وفاطره ، بإخلاص العبادة والذل والمحبة والطاعة والإسلام له وحده لا شريك له. فإن العدو الذي انتصب في الميدان خصما قد أعلن عن خصومته وعداوته وحربه وسلاحه ، إذ قال ( وَلَأُضِلَّنَّهُمْ