القوّتين ، إنّما يكونان شرّا بالقياس إلى المظلوم وإلى السياسة المدنيّة أو إلى النفس الناطقة الضعيفة عن ضبط قوّتيه الحيوانيّتين ، فالشرّ بالذات هو فقدان أحد تلك الأشياء كماله ، وإنّما أطلق على لسانه بالعرض لتأديتها إلى ذلك.
وكذلك القول في الأخلاق الّتي هي مبادؤها ، وكذلك الآلام فإنّها ليست بشرور من حيث هي إدراكات لأمور ، ولا من حيث وجود تلك الأمور في أنفسها ، أو صدورها عن عللها ، إنّما هي شرور بالقياس إلى المتألّم الفاقد لاتّصال عضو من شأنه أن يتّصل ... إلى آخره.
فالعذاب خير محض من حيث صدوره عن الحقّ وقدرة الحقّ على ذلك ، وشرّ بالعرض من حيث تأديته إلى حرمان الكافر عن الوصول إلى الكمال ، وحرمان المؤمن المذنب عن السرور في الحال.
وهذا هو الوجه الوجيه لتسمية العذاب بالشرّ في الآية الشريفة.
الثامنة : لا بأس بتفسير الإطعام للطعام بإنفاق العلم على المستعدّين من الأنام ، والطعام بالطعام الروحانيّ وهو العلم الحقيقيّ الّذي ينبعث منه الحالات الشريفة ، والأخلاق الحسنة ، ويصفّى القلب به عن الوساوس الشيطانيّة من الظنون والخيلولات الوهمانيّة ، فإنّ ذلك هو الغذاء المربّي لجوهر النفس الناطقة الإنسانيّة ، والمانع لها من الضياع والهلاك في بوادي الجهل والضلال ؛ إذ لكلّ شيء غذاء بحسب حاله لا بدّ له منه بحيث لو حرم منه لكان محروما عن المقام المقدّر له بحسب الاستعداد ، فكما أنّه لا بدّ للبدن العنصريّ من الأغذية الكثيفة المناسبة له ، كذلك لا بدّ للنفس الناطقة من الأغذية اللطيفة الروحانيّة المناسبة لها حتّى تربّيها وتسبّب لترقّيها عن