حضيض البعد إلى أوج القرب ، لتصير مرآة الجذب وبلّورة الحبّ.
وكما أنّ الطائر إذا كان غذاؤه من الأرض أكثر قلّ طيرانه إلى الفوق ، وإذا كان غذاؤه من الهواء أكثر كان أشدّ ارتفاعا ، كذلك الإنسان إذا كان أشدّ اهتماما بالغداء الجسمانيّ المنجرم كان أقلّ طيرانا إلى أعالي القرب بالحقّ وأرافع الفوز بلذّات الصدق ، وإذا كان أشد اهتماما بتكميل النفس الّذي هو الغذاء الروحانيّ كان أكثر ارتفاعا إلى عوالم القدس ، ومقامات الانس بالحقّ في أعراش البهاء ، وكراسي الصفاء والعلاء :
يا خادم الجسم كم تسعى بخدمته |
|
أتطلب الربح فيما فيه خسران |
أقبل على النفس واستكمل فضائلها |
|
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان |
ولنا في ذلك المقام مطالب كثيرة شريفة لا يفهمها أكثر الناس لغفلتهم عن مقام تكميل النفس ، فإنّ الغافل عن مقام لا يدرك ما يترتّب عليه ؛ كما قال تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١).
أي عن مقامات التكميل للنفس الناطقة الإنسانيّة على أنّ من الناس من لا يقدر على تحمّل بعض هذه المطالب وإلّا لفصّلت القول في أمثال تلك المطالب ، وكشفت السرّ عن بعض المذاهب :
گر نبودى خلق محجوب وكثيف |
|
گر نبودى حلقها تنك وضعيف |
در بيانش داد معنى دادمى |
|
غير ازين منطق لبى بگشادمى |
فمن علائم هؤلاء الأبرار هو بذل ما أتاهم من العلم والعرفان
__________________
(١) الأعراف : ١٧٩.