الهويّة المطلقة ليست خالية عن الصفات الكماليّة حتّى تكون شيئا ليس له قدرة ولا علم ولا حياة ولا غير ذلك من صفات الجمال والجلال ، بل يعتقد أن الذات البحت مع كمال تجرّده عن الشؤونات الغيريّة ، وتقدّسه عن النقائص العرضيّة متّصفة بجميع الصفات الكماليّة ، لا بمعنى أن يكون هناك ذات على حدة ووصف مغاير لذلك الذات.
بل بمعنى أنّ الذات هو عين الصفات في نفس الأمر ، بحيث لا تميّز بينهما بوجه من الوجوه ، ولا تغاير أصلا من جهة التحقيق النفس الأمريّ ، وإنّما ذلك التغاير لقد يتوهّم عند التعبير عن المفهومات ، فإنّ مفهوم الحيّ غير مفهوم العليم في التعبير ، إلّا أنّ كونه تعالى حيّا هو كونه عليما في نفس الأمر ، وهكذا.
والحاصل : أنّه لا صفة للحقّ المطلق تعالى أصلا عند التحقيق ، بل لا شيء في عالم الذات إلّا الذات.
ولا ريب أنّ الذات في عالم الذات هو عين الذات ، وحاصله نفي الصفات عن ذلك الذات ، لشهادة الصفات بأنّها غير الذات ، وشهادة الذات بأنّه غير الصفات ، فمن وصفه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن عدّه فقد أشرك وأبى عن الدخول في لجّة الأحديّة ، وهذا معنى قوله : كمال التوحيد نفي الصفات عنه ؛ بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ... إلى آخره.
فمن عبده بتلك العقيدة فقد دخل في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حيث فاز بمقام التوحيد الأكمل ، ونال الكمل والجلل بعبادة الحقّ حقّ العبادة ، والفوز بلجّة الأحديّة والسعادة.