المقام الثالث هو الّذي جعل من بين يديه سدّا ومن خلفه سدّا فتحترق نفسه بنار الفراق الأبديّ الدائميّ ؛ كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) ... (١) إلى آخره.
الرابعة : في تنكير قوله (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) إشارة إلى شدّة الألم ، وعظم تلك الأمور ، وفضيحة الكفّار بأشدّ الفضائح ؛ كما قال : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢).
وممّا أتى فيه التنوين للتعظيم قوله :
له حاجب عن كلّ أمر يشينه
أي : حاجب عظيم. فليتأمّل.
الخامسة : قال بعض العارفين : إنّ النفوس الجاهلة الّتي كفرت بأنعم الله بسبب مجاورة الأبدان تتمكّن فيها ملكات رديّة بحسب قوّتيها النظريّة والعمليّة وهيئة متنافية لكمالاتها ، وإذا فارقت الأبدان أدركت الآلام الحاصلة بسبب تلك الهيئات الرديّة ، فيمكّن فيها شوق ما فارقته فلم تقدر عليه ، فكانت عديمة الوسيلة إلى مبدئها وتقول (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٣).
ومثل ذلك العضو تمكّن فيه الألم في الدنيا إلّا أنّه حصل ما يعوّقها من إدراك ذلك الألم ، فإذا زال العائق حصل الألم فبقي حينئذ تلك النفوس مقيّدة
__________________
(١) النساء : ١٣٧.
(٢) البقرة : ٧.
(٣) المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.