بسلاسل علائق الأبدان ، مغلولة بأغلال الهيئة الرديّة المتمكّنة فيها ، متنكّسة في كرب سعير الأشواق ، محترقة بنار ألم الفراق ، خالدين فيها مادامت السماوات والأرض ، وكانت قد ناداها مناد الحقّ فتغافلت وغرّت فحلّ عليها غضب الحقّ ، فسلبت قواهم ، فصاروا في ظلمة الهيولى صمّا بكما عميا فهم لا يرجعون.
وقيل فيها : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (١) ومن أعظم الآلام (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٢) (يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ * قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (٣).
فالموت الأوّل هو موت الجهل والحياة الأولى هي الوجود عن العدم ، والموت الثاني هو مفارقة الأبدان والحياة الثانية هي النشور ، فأحسن بهذا الوعيد الّذي ترتعد من ظاهره فرائص الجاهلين ، وتقشعرّ من باطنه جلود السالكين.
واعلم أنّك لمّا فهمت حقيقة الشقاوة ينبغي أيضا أن تفهم أنّ النفوس فيها بسبب فقد الكمالات على مراتب ستّ :
__________________
(١) طه : ١٢٤ ـ ١٢٦.
(٢) المطفّفين : ١٥.
(٣) المؤمن : ١٠ ـ ١١.