٢ ـ إن الخوارج كانوا ـ من جهة ثانية ـ جزءاً من هذا الجيش الذي حارب إلى جانبه عليهالسلام أعداءه في الجمل وصفين فكانوا ـ إذن ـ رفقاء السلاح والجهاد لهذا الجيش الذي يحاربونه اليوم ، ويقتلهم ، ويقتلونه ، وكانت لهم به علاقات شخصية ، وروابط ، وذكريات ، حلوة ومرة.
٣ ـ لقد كانت هناك وشائج قربى ونسب ، تربط بين هاتين الفئتين المتناحرتين ، حيث إن القوم كانوا أبناء القوم ، وآبائهم ، وإخوانهم ، وأبناء عمهم.
ومن الطبيعي أن تترك الحرب فيما بين هؤلاء آثاراً سلبية بليغة على البنية الاجتماعية ، وعلى العلاقات العشائرية والقبلية في داخل جسم الأمة.
هذا بالإضافة إلى الصعوبات العاطفية ، والصدمات الروحية ، والعقد النفسية التي تنشأ ـ عادة ـ عن قتل وقتال المرء لأخيه ، وصديقه ، وابن عمه. ولا ندري حقيقة المشاعر التي كانت تنتاب عدي بن حاتم حينما دفن ولده بعد انتهاء المعركة. وكذا غيره ، حينما دفن رجال من الناس قتلاهم بإذنه عليهالسلام (١).
٤ ـ إن الشعارات التي رفعها الخوارج كانت خداعة وبراقة إلى حد كبير ، وكانت تستهوي أولئك الذين ينساقون وراء مشاعرهم ، وعواطفهم ، دونما تأمل أو تعقل ، أو تمحيص لحقيقة ما يجري وما يحدث ، ودونما دراسة واعية لدوافعه وخلفياته. ولم تكن لديهم معرفة كافية تخولهم تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال.
وهذا الواقع الذي كان يعاني منه مجتمع أمير المؤمنين عليهالسلام
__________________
(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٤ ص ٦٦ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٣٤٨ وتذكرة الخواص ص ١٠٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ١٨١.