وقال لما رفع أهل الشام المصاحف :
« أيها الناس ، إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية ، وابن أبي معيط ، وابن أبي سرح ، وابن مسلمة ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم صغاراً ورجالاً ، فكانوا شر صغارٍ وشر رجالٍ .. الخ .. » (١).
إلى غير ذلك من كلماته عليهالسلام الكثيرة جداً فليراجع نهج البلاغة ، فقد جاء فيه من ذلك الشيء الكثير والشافي. مما يخبر فيه عليهالسلام عن طبيعة هؤلاء الناس الذين عاش معهم ، وعرف أحوالهم وطموحاتهم ، ومفاهيمهم ، وطريقتهم في التفكير ، ونظرتهم للأمور ، وعرف أنهم لا يملكون من المبادئ والقيم ما يردعهم عن ارتكاب العظائم والجرائم ..
ولكن ذلك لا يمنع من أن تحدث بعض التحولات والوقائع التي تمنع هؤلاء الناس من تحقيق مآربهم ، وتحد من قدرتهم على إجراء سياستهم ، فيتغير سير الأحداث ، وتعطف اتجاهها ، رغماً وقهراً وجبراً ، من دون أن تتغير الحقيقة الراهنة التي أخبر عليهالسلام عنها .. بل هي تبقى كامنة بانتظار الفرصة السانحة ـ فأمثال هذه العوارض والموانع ليست من قبيل البداء ، لأن المقصود هو الإخبار عن طبيعة هؤلاء الناس ، وهذه الطبيعة لم تتغير ، بل حدث مانع من تأثيرها على صعيد الواقع فليست هي من قبيل ما لو حدث زلزال أو جفاف وقحط ، مثلاً يزعزع الحالة القائمة ، ويدفع بالناس إلى مواجهة
__________________
(١) البحار ج ٣٢ ص ٥٣٢ ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٢ ص ٢١٦ وصفين للمنقري ص ٤٨٩ ، وينابيع المودة ج ٢ ص ١٣ ، وراجع نظائر ذلك في شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٣٣٢ والثقات ج ٢ ص ٣٥١ والبحار ج ٣٢ ص ٥٤٦.