ويقول أبو العلاء :
وكالنار الحياة فمن رماد |
|
أواخرها وأولها دخان |
ولم يذكر لنا الكتاب الكريم ، كيف كانت الصيحة ، ولا كيف نزل بهم العذاب ، وتفصيل ذلك لا يعنينا ، فالعبرة تحصل بدون بيانه ، إذ المراد انتقام الله وعذابه لمن كذب أولياءه ، على أي نحو كان ذلك العذاب.
وفي هذا ما لا يخفى من تهوين أمرهم ، وتحقير شأنهم ، وتفخيم شأن رسل الله.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) المراد بالعباد هنا مكذّبو الرسل ، أي يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب على تكذيبهم رسل الله ومخالفة أوامره.
ثم بين سبب الحسرة والندامة فقال :
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي ما جاءهم رسول إلا استهزءوا به وكذبوه ، وجحدوا ما أرسل به من الحق.
والخلاصة : إن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين ، جديرون أن يتحسروا على أنفسهم ، إذ فوّتوا عليها السعادة الأبدية ، وعرّضوها لعذاب مقيم ، وكأنه قيل : يا حسرة احضرى ، فهذه شدة لا سبيل للخلاص منها.
ولما بين حال الأولين نبه الحاضرين فقال :
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ؟) أي ألم يعتبروا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود ، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا كما يعتقد الدّهريّة ، جهلا منهم بأنهم يعودون إليها كما كانوا.
وبعد أن ذكر أنه أهلكهم وبين طريق ذلك ، أعقب هذا بأن لهم حسابا وعقابا فقال :
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) أي وإن جميع الأمم ماضيها وحاضرها