وبعد أن ذكر مقالته لأهل الجنة أراد أن يؤكد لهم صدق ما قال ، ويريهم ما آل إليه أمره من الدخول في النار فقال :
(قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) أي قال لجلسائه من أهل الجنة ، ليزيدهم سرورا على أن عصمهم الله من مثل حاله ووفقهم إلى العمل بما أرشد إليه أنبياؤه ، هل تودون أن تروا عاقبة ذلك القرين؟ وكيف خذله الله وأوقعه في الهلكة؟
وإنا لا نخوض في كيفية الاطلاع إذ ذاك مع شاسع المسافات ، واختلاف مراتب أهل الجنة وأهل النار ـ فإن ذلك من أمور الغيب التي يجب أن نؤمن بها دون بحث فى شأنها ، ولا نقص ولا زيادة فيها.
(فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) أي فاطلع إلى أهل النار ، فرأى قرينه في وسطها ، يتلظى بحرّها وشديد لهبها.
(قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي قال لقرينه مو بخاله : إنك لقد كدت تهلكنى بدعائك إياى إلى إنكار البعث والقيامة.
(وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي ولو لا فضل ربى بإرشاده لى إلى الحق ، وعصمتى من الباطل ، لكنت مثلك من المحضرين للعذاب.
ثم ذكر ما يقوله ذلك المؤمن لجلسائه تحدثا بنعمة ربه عليه ، واغتباطا لحاله ، بمسمع من قرينه ، ليكون توبيخا له ، فيزيد به تعذيبه.
(أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ، إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي يقول لهم : أنحن مخلدون منعمون ، فما نحن بميتين ولا بمعذبين إلا موتتنا الأولى؟ بخلاف الكفار فإنهم يموتون مثلنا ، ثم هم في جهنم يتمنون الموت كل ساعة ، ولا يخفى ما في ذلك من سوء الحال ، وقد قيل لحكيم : ما شرّ من الموت؟ قال الذي يتمنّى معه الموت.
والخلاصة ـ إن المؤمن غبط نفسه بما أعطاه الله من الخلد في الجنة ، والإقامة فى دار الكرامة ، بلا موت فيها ولا عذاب.