ثم بين سبحانه أن الإنعام حصل في الإجابة من وجوه :
(١) (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الكرب : الغم الشديد ، أي فنجيناه من الغرق ومن أذى قومه ومن كل ما يكربه ويسوءه.
(٢) (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) أي وأهلكنا من كفر بنا استجابة لدعوته : «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» ولم يعقب أحد ممن كان فى السفينة عقبا باقيا سوى أبنائه الثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب وفارس والروم ، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب ، ويافث أبو الترك ، وهذا هو المشهور على ألسنة المؤرخين ، وليس في القرآن ولا في السنة نص قاطع على شىء من هذا ، كما أنه ليس في القرآن ما يشير إلى عموم دعوته لأهل الأرض قاطبة ، ولا أن الغرق عمّ الأرض جميعا ، وأن ما تفيده الآية من جعل ذريته هم الباقين إنما هو بالنسبة لذرية من معه فى السفينة ، وذلك لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وقد كان في بعض الأقطار الشاسعة من لم تبلغهم الدعوة ، فلم يستوجبوا الغرق كأهل الصين وغيرهم من البلاد النائية (٣) (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أي وأبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
ثم ذكر سبحانه أنه سلّم عليه ليقتدى به ، فلا يذكره أحد بسوء فقال :
(سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) أي وقلنا له : عليك السلام في الملائكة والإنس والجن.
ونحو الآية قوله : «قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ».
ثم علل ما فعله به بأنه جزاء على إحسانه فقال :
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي إنه كان في زمرة المحسنين فجازيناه بالإحسان إليه و «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ».