من الصحيحة أنّ العبرة بالصفّ واحد كان أو متعدّد ، لا بآحاد الصفّ ، كما هو الحال في شرط عدم البعد بقدر لا يتخطّى ، كما هو واضح.
ولو كان الأمر على ما ذكراه من أنّ رؤية من يرى الإمام تكفي للصحّة ، لما حكم المعصوم عليهالسلام بانحصار الصحّة في صلاة من كان بحيال الباب خاصّة ، ولما قال : [ليس] لمن صلّى خلف المقاصير مقتديا بصلاة من فيها صلاة ؛ إذ النكرة في سياق النفي تفيد العموم الاستغراقي ، مع أنّه ربّما كان منهم يرى الذي يرى الإمام ، بل ربّما كانوا يرون من يرى الإمام.
وأمّا عبارات الأصحاب فظاهرة ، بل وأظهر ممّا في الصحيحة ، لأنّهم يصرّحون بأنّ الشرط هو عدم الحائل الساتر لا غير ، فيفرّعون على هذا الشرط صحّة صلاة الصفّ الثاني ، معلّلين بأنّهم يشاهدون من يشاهد الإمام ، كما علّلوا فساد صلاة من على يمين المأموم المحاذي للباب ومن على يساره بوجود الحائل الساتر بينهم وبين الإمام ، مع القطع بعدم الساتر بينهم وبين من حاذى الباب ، وما اشترط أحد منهم المشاهدة للإمام أو لمشاهدة لمن يشاهده ، كما ينادي به فتاويهم ، من كون الشرط خصوص عدم الحائل الساتر.
مع أنّ اشتراط المشاهدة فاسد بالبديهة ؛ لأنّ الأعمى لا يشاهد ، وكذا البعيد ، وكذا في ظلمة الليل ، أو الموضع المظلم ، أو يكون في العين وجع ، مع أنّ المشاهدة فرّعوها على الشرط المذكور ، وهو عدم الحائل المانع من المشاهدة.
فالمشاهدة عبارة عن عدم الحائل المانع منها ، وعدمها عبارة عن وجود ذلك الحائل.
على أنّه لو لم يكن مرادهم ما ذكرنا لزم عليهم المفاسد الواضحة ، مضافا إلى لزوم التدافع بين كلامهم الواضح ، حيث قالوا أوّلا : دون من على يمين الشخص المقابل للباب ويسار ذلك المقابل ، مع أنّهم يشاهدونه البتّة على حسب ما توهّم