أبدعه في العالم ، ولذلك سوّى بين النظر فيهما وقال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١). وفيه دليل على أنّ الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها.
ووجه إيثار هذه الصفة بين صفات الله تعالى بعد الحمد : أنّ العارف لمّا رأى نعم الله تعالى على غيره واضحة ، كما شاهد آثارها على نفسه لائحة ، عرف أنّه ربّ الخلائق أجمعين ، فينبغي أن يقول بعد ذلك : ربّ العالمين ، ولمّا رأى شمول فضله للمربوبين ، وعموم رزقه للمرزوقين ، فبالحريّ أن يقول بعده : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وقد مضى تفسيرهما.
قال الرمّاني (٢) : إنّه سبحانه ذكر في البسملة العبوديّة فوصل ذلك للتنبيه بذكر النعم الّتي يستحقّ بها العبادة ، وهاهنا ذكر الحمد فوصله بذكر ما يستحقّ الحمد من النعم ، فليس فيه تكرار.
واعلم أنّ العارف إذا رأى بعض العباد حامدا شكورا ، وبعضهم كنودا كفورا ، علم أن وراءهم يوما يثاب فيه الشكور ويعاقب فيه الكفور ، فلزمه أن يقول بعد هذه الأوصاف الجميلة والنعوت الجليلة : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قرأه عاصم والكسائي ويعقوب ، ويعضده قوله عزوجل : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) (٣). وقرأ الباقون : (ملك) ، لقوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (٤) ، ولقوله : (مَلِكِ النَّاسِ) (٥) ، ولما فيه من التعظيم.
__________________
(١) الذاريات : ٢١.
(٢) حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان ١ : ٢٣.
(٣) الانفطار : ١٩.
(٤) غافر : ١٦.
(٥) الناس : ٢.