والمالك هو المتصرّف في الأعيان المملوكة كيف شاء ، واشتقاقه من الملك. والملك هو المتصرّف بالأمر والنهي مشتقّ من الملك. ويوم الدين يوم الجزاء ، ومنه : كما تدين تدان.
وأضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتّساع ، كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار ، تقديره : يا سارق متاع أهل الدار في الليل. ومعناه : مالك الأمور يوم الدين ، على طريقة جعل المتوقّع الّذي لا بدّ من وقوعه بمنزلة الواقع ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (١). أو : له الملك في هذا اليوم ، على وجه الاستمرار. وعلى التقديرين تكون الإضافة حقيقيّة معدّة لوقوعه صفة للمعرفة ، وإنّما تكون غير حقيقيّة إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال ، فكان في تقدير الانفصال ، كقولك : زيد مالك الساعة أو غدا ، ولمّا كان هاهنا بمعنى الماضي أو الاستمرار فكانت إضافة حقيقيّة تصلح أن تكون وصفا للمعرفة.
وقيل : الدين : الشريعة. وقيل : الطاعة. والمعنى : يوم جزاء الدين. وتخصيص اليوم بالإضافة إمّا لتعظيمه ، أو لتفرّده تعالى بنفوذ الأمر فيه.
وهذه الأوصاف ـ الّتي هي كونه سبحانه ربّا مالكا للعالمين ، لا يخرج منهم شيء من ملكوتيّته وربوبيّته ، وكونه منعما بالنعم المتواترة الباطنة والظاهرة ، وكونه مالكا للأمر كلّه في الدار الآخرة ، بعد الدلالة على اختصاص الحمد في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ـ فيها دلالة باهرة على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحقّ منه بالحمد والثناء ، بل لا يستحقّه على الحقيقة سواه ، فإن ترتّب الحكم على الوصف يشعر بعلّيته له. وإذا وصل العارف الطالب إلى هذا المقام علم أنّ له خالقا ورازقا رحيما ، يحيي ويميت ، ويبدئ ويعيد ، وهو الحيّ الّذي لا يشبهه شيء ، والإله الّذي
__________________
(١) الأعراف : ٤٤.