النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (١). وكان المسلمون يشربونها ، وهي لهم حلال. ثمّ إنّ عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر ، فإنّها مذهبة للعقل ، فنزلت : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، فشربها قوم وتركها آخرون. ثمّ دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم ، فشربوا وسكروا ، فأمّ بعضهم ، فقرأ صلىاللهعليهوآلهوسلم قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف كلمة «لا» فنزلت : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٢) ، فقلّ من يشربها. ثمّ دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبي وقّاص ، فلمّا شربوا وسكروا افتخروا وتناشدوا حتّى أنشد سعد شعرا فيه هجاء الأنصار ، فضربه أنصاريّ بلحي (٣) بعير ، فشجّه موضحة ، فشكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عمر : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٤) ، فقال عمر : انتهينا يا ربّ.
ولمّا كان سؤالهم عن حكم الخمر والميسر والتصرّف فيهما لا عن حقيقتهما ، فمعنى الآية : ويسألونك عن تعاطي الخمر والميسر (قُلْ فِيهِما) في تعاطيهما (إِثْمٌ كَبِيرٌ) حيث إنّه يؤدّي إلى الإعراض عن المأمور به وارتكاب المحظور (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) من الطرب وكسب المال والالتذاذ ومصادقة الفتيان ، وفي الخمر خصوصا تشجيع الجبان وتوفير المروءة وتقوية الطبيعة (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) أي : المفاسد الّتي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقّعة منهما ، ولهذا قيل : إنّ هذه الآية محرّمة للخمر ، فإنّ المفسدة إذا ترجّحت على المصلحة اقتضت تحريم الفعل. وأمّا
__________________
(١) النحل : ٦٧.
(٢) النساء : ٤٣.
(٣) اللّحي ، بفتح اللام : عظم الحنك الذي عليه الأسنان ، ومنبت اللحية من الإنسان وغيره.
(٤) المائدة : ٩٠ ـ ٩١.