ما ذكره المفسّرون وفقهاء العامّة من كونها كانت حلالا باطل بإجماعنا والنقل الصحيح عن أئمّتنا كما ذكر.
روي أنّ عمرو بن الجموح سأل أوّلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المنفق والمصرف؟ فنزلت الآية المتقدّمة ، ثمّ سأل عن كيفيّة الإنفاق؟ فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أيّ شيء ينفقونه؟ (قُلِ الْعَفْوَ) وهو نقيض الجهد ، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع ، ومنه يقال للأرض السهلة : العفو. والمعنى : أن ينفق ما تيسّر له بذله ، ولا يبلغ منه الجهد.
عن ابن عبّاس : أنّ المراد بالعفو ما فضل عن الأهل والعيال. وعن أبي عبد الله عليهالسلام : أنّ العفو الوسط من غير إسراف ولا إقتار.
وعن الباقر عليهالسلام : أنّ العفو ما فضل عن قوت السنة. قال : ونسخ ذلك بآية الزكاة.
وقيل : أفضل المال وأطيبه.
روي أنّ رجلا أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغانم ، فقال : خذها منّى صدقة ، فأعرض عنه ، حتى كرّر عليه مرارا ، فقال : هاتها مغضبا ، فأخذها فخذفها (١) خذفا لو أصابه لشجّه ، ثمّ قال : يأتي أحدكم بماله كلّه يتصدّق به ويجلس يتكفّف (٢) الناس! إنّما الصّدقة عن ظهر غنى.
اعلم أنّ كلام الصادق (٣) عليهالسلام يدلّ على الالتزام بالأوساط في الإنفاق كلّه ، واجبا كان أو مندوبا ، صدقة وغيرها ، وهو طريق السلامة والأمن من الإفراط والتفريط الموبقين. وكلام الباقر (٤) عليهالسلام يدلّ على استحباب الصدقة بما فضل عن
__________________
(١) أي : رمى بها من بين سبّابتيه.
(٢) أي : يمدّ كفّه إليهم يستعطي.
(٣) تفسير العيّاشي ١ : ١٠٦ ح ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الوسائل ١٥ : ٢٥٨ بـ «٢٥» من أبواب النفقات ح ٣ ، ١٤ ، ١٥.
(٤) رواه عن الباقر عليهالسلام في مجمع البيان ١ : ٣١٦.