ومخالطتهم ، خوف الفتنة منهم عليهم ، فيصيبهم ما أصابهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) أي : لا تتّخذوا الكافرين خواصّ أوليائكم وخلّصكم ، فإنّ بطانة الرجل وليجته وخاصّته وصفيّه الّذي يعرفه الرجل ويفشي إليه أسراره ثقة به. شبّه ببطانة الثوب ، كما شبّه بالشعار. وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الأنصار شعار ، والناس دثار». (مِنْ دُونِكُمْ) من غير أبناء جنسكم ، وهم المسلمون. وهو متعلّق بـ «لا تتّخذوا» ، أو بمحذوف هو صفة بطانة ، أي : بطانة كائنة من دونكم.
ثمّ بيّن العلّة في المنع من مواصلتهم فقال : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) لا يقصّرون لكم في ما يؤدّي إلى فساد أمركم ، ولا يتركون جهدهم وطاقتهم فيما يورثكم الشرّ ، والألو : التقصير. وأصله أن يعدّى بالحرف ، ثمّ عدّي إلى المفعولين ، كقولهم : لا آلوك نصحا ولا آلوك جهدا ، على تضمين معنى المنع أو النقص. والمعنى : لا أمنعك نصحا ولا أنقصك. والخبال : الفساد.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) تمنّوا عنتكم ، وهو شدّة الضرر والمشقّة. وأصله : إنهاض العظم بعد جبره. و «ما» مصدريّة. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي : ظهرت على ألسنتهم وفي فلتات كلامهم أمارات العداوة لكم ، لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من البغضاء (أَكْبَرُ) ممّا بدا ، لأنّ بدوّه ليس عن فكرة واختيار (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات الدالّة على وجوب الإخلاص ، وموالاة المؤمنين ، ومعاداة الكافرين (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ما يبيّن لكم.
والجمل الأربع جاءت مستأنفات على التعليل للنهي عن اتّخاذهم بطانة. ويجوز أن تكون الثلاث الأول صفات لـ «بطانة». وأما «قد بيّنّا» فكلام مبتدأ.
عن ابن عبّاس : أنّ نزول هذه الآية في شأن رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار والحلف والرضاع.