ثم بيّن سبحانه ما هم عليه من عداوة المؤمنين ، تأكيدا للنهي عن مصافاتهم ، فقال : (ها) للتنبيه (أَنْتُمْ) مبتدأ (أُولاءِ) خبره ، أي : أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفّار. وقوله (تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) بيان لخطئهم في موالاتهم. وهو خبر ثان ، أو خبر لـ «أولاء» ، والجملة خبر «أنتم» كقولك : أنت زيد تحبّه ، أو صلته ، أو حال والعامل فيها معنى الاشارة. ويجوز أن ينتصب «أولاء» بفعل يفسّره ما بعده ، أي : أنتم تحبّون هؤلاء ، وتكون الجملة خبرا.
(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي : وأنتم تؤمنون ، لتكون الجملة اسميّة ، فيجوز دخول واو الحال عليها. والمراد بالكتاب جنس الكتاب كلّه. وذو الحال هو ضمير مفعول «يحبّونكم». والمعنى : أنّهم لا يحبّونكم والحال أنّكم تؤمنون بكتابهم أيضا ، فما بالكم تحبّونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم؟! وفيه توبيخ بأنّهم في باطلهم أصلب منكم في حقّكم.
(وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) نفاقا وتغريرا (وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ) أطراف الأصابع (مِنَ الْغَيْظِ) من أجل الغيظ والغضب ، لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ، ونصرة الله إيّاهم ، تأسّفا وتحسّرا حيث لم يجدوا إلى التشفّي سبيلا. وعضّ الأنامل والبنان من صفة المغتاظ والنادم.
(قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) دعاء عليهم بدوام غيظهم وزيادة ما يغيظهم بتضاعف قوّة الإسلام وعزّ أهله ، وما لهم في ذلك من الذلّ والخزي حتى يهلكوا به ويصلوا إلى النار. فكأنّه قال : أماتكم الله بغيظكم. ويجوز أن يكون هذا أمرا للرسول بطيب النفس وقوّة الرجال ، والاستبشار بوعد الله أن يهلكوا غيظا ، بإعزاز الإسلام وإذلالهم به ، ولا يكون هناك قول ، كأنّه قيل : حدّث نفسك بذلك.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فيعلم ما في صدورهم من الغيظ والنفاق. وهذا يحتمل أن يكون من المقول ، أي : وقل لهم إنّ الله عليم بما هو أخفى ما تخفونه من عضّ الأنامل غيظا ، وأن يكون خارجا عن القول ، يعني : قل لهم ذلك ، ولا تتعجّب