وهو يعتبر المدينة أصغر اجتماع يمكن أن يوفر السعادة لأفراده والمدينة الفاضلة هي التي يتعاون أهلها لنيل السعادة ، وكذلك الأمة والمعمورة. فالأمة الفاضلة هي التي يتعاون أهلها لنيل السعادة ، والمعمورة الفاضلة هي التي يتعاون أهلها لنيل السعادة.
ويشبه الفارابي المدينة الفاضلة بالبدن التام الصحيح ، فهي تتركب مثله من أجزاء مختلفة الفطر متفاوتة الهيئات ، فيها رئيس وطبقات تتدرج في الأهمية والشرف.
ولكنه يميز بين المدينة والبدن في أن أعضاء البدن طبيعية وتعمل بشكل طبيعي ، بينما أجزاء المدينة ، وان كانوا طبيعيين ، يعملون بالملكات الارادية أو الصناعات.
ويتكلم الفارابي باسهاب على رئيس المدينة الفاضلة ، فيراه أكمل أجزاء المدينة كالقلب في البدن ، ويرى أنه يكون أولا ويؤسس المدينة كما أن القلب يكون أولا في البدن. وتليه في الشرف طبقة من أهل المدينة تساعده في الحكم ، وأدنى منها طبقة تخدم الأولى وتخدمها طبقة ثالثة ، حتى تنتهي الى طبقة تخدم ولا تخدم. ويرى أيضا أن ترتيب المدينة يشبه ترتيب العالم ، ورئيسها يشبه الله ، وأجزاءها تحتذي حذو مقصد الرئيس على الترتيب.
أما مؤهلات الرئيس فملكات فطرية وارادية ، ولا تتوافر هذه الملكات في أي إنسان اتفق ، لأن الرئيس انسان استكمل عقله ومتخيلته. والعقل المستكمل هو العقل المستفاد ، والعقل المستفاد هو العقل الذي حصل على جميع المعقولات. ومتى غدا العقل مستفادا استطاع أن يتصل بالعقل الفعال ، وأصبح فيلسوفا. أما المخيلة المستكملة فهي المخيلة القوية التي تخلصت من سيطرة الحاسة والناطقة ، والتي تستطيع أن تتصل بالعقل الفعال في اليقظة ، وتستمد منه الجزئيات والمعقولات. وهذه هي مرتبه الأنبياء.