وهذا يعني أن رئيس المدينة الفاضلة يكون فيلسوفا أو نبيا ، وأن النبي والفيلسوف يتساويان في المنزلة والفضل ، ويصلحان لرئاسة المدينة الفاضلة.
عدا الكمال العقلي أو كمال المتخيلة ينبغي أن تتوافر في الرئيس الأول اثنتا عشرة خصلة هي تمام الأعضاء وجودة الفهم وجودة الحفظ والذكاء والبلاغة وحب العلم والعفة والصدق والإباء والكرم والعدالة والشجاعة.
أما الرئيس الثاني الذي يخلف الأول فيمكن الاكتفاء فيه بست خصال فقط اذا استحال توافر الاثني عشرة المذكورة عدا الحكمة ، وهي الحكمة وحفظ الشرائع التي سنها سلفه ، والقدرة على احتذاء من سبقه في سن الشرائع ، والقدرة على استنباط شرائع لا يحذو فيها حذو من سلفه ، وإرشاد الناس الى الشرائع ، والقدرة على الحرب
واذا لم تجتمع هذه الخصال الست في واحد ، وتفرقت في اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة كانوا هم الرؤساء الأفاضل مجتمعين.
واذا كانت السعادة تقوم بالمعرفة ، فان المعرفة التي ينبغي أن يحصلها أهل المدينة الفاضلة هي التي انطوى عليها كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها» من ألفه إلى يائه ، بدءا با لله وصفاته وانتهاء بآراء أهل المدن المضادة ، مرورا بالثواني ، والعقل الفعال ، والأجسام السماوية والأرضية ، والانسان وقواه وتركيبه الجسمي ، ورئيس المدينة الفاضلة وشروطه ، والمدن المضادة وآراء أهلها.
وهم يدركون هذه المعلومات بطريقتين هما البرهان والمحاكاة. والبرهان الذي هو طريقة الحكماء يفضل المحاكاة التي هي طريقة العامة. ذلك أن البرهان ليس عرضة للمعاندة ، بعكس المحاكاة التي تكثر فيها المعاندة. والمعاندون أصناف ، منهم المسترشد المقلد للحكماء ، ومنهم القاصد الى تزييف الحقائق من أهل المدن الجاهلة ، ومنهم السيّئ الفهم العاجز عن ادراك الحقائق ، ومنهم الشاك الذي يزعم استحالة معرفة الحقيقة.