الذي نسجوا عليه لعابهم المرير في عهد ابيه امير المؤمنين عليهالسلام في الكوفة يوم سئم أبوه الحياة من سوء صحبتهم ، وتمني الموت صريحا لفراقهم.
وعلم الحسن بن علي غير متردد في علم ، ان هذه العصابة نفسها كانت هي أصابع معاوية التي عاثت بمقدرات جيشه في مسكن ، وهي التي شجعت القوافل على الفرار الى معاوية ، اغترارا برشواته الاخاذة المنوعة التي جاوز بها معاوية المألوف من رشوات الناس وعرض فيها من العرض ما لا يعهد الرشوة بمثله ، حتى لقد كتب الى بعضهم : « وبنت من بناتي (١) »!.
وكانت الخصيصة البارزة في معاوية ، انه الرجل الذي لا تفوته الفرص السانحة من مآزق خصومه ، وكان هو ـ قبل كل شيء ـ الصناع المفن في بعث هذه المآزق واستغلال فرصها ، وكانت هذه هي موهبته التي خلب بها الباب المعجبين به ، وبرع فيها البراعة بأقصى حدودها ، حتى ليخيل الى مؤرخته حين ينظرون اليه من هذه الزاوية أنه الداهية ، وانه السياسي المحنّك ، وانه العسكري المفنّ.
ولكن دراسة معاوية ـ على ضوء ما تقلب فيه الرجل من أطوار وما زاوله من محاولات ـ كمحارب لرسول الله (ص) في بدر (٢) ، فطليق من طلقاء يوم الفتح بمكة ، فصعلوك (٣) لا مال له يركض حافيا ـ بغير نعل ـ تحت ركاب علقمة بن وائل الحضرمي (٤) في المدينة ، فوال على الشام ولكن من عمر وعثمان مدى عشرين سنة ، فمحارب للامامين علي وابنه
__________________
١ ـ علل الشرائع لابن بابويه ( ص ٨٤ ـ طبع ايران ).
٢ ـ ابن النديم ( ص ٢٤٩ ) قال : « سئل هشام بن الحكم عن معاوية أشهد بدرا؟ فقال : نعم من ذاك الجانب! ».
٣ ـ الدميري ( ج١ : ص ٥٩ ) قال : « وكانت امرأة استشارت النبي (ص) في ان تتزوج منه ـ يعني معاوية ـ فقال ـ انه صعلوك لا مال له ».
٤ ـ البيهقي في المحاسن والمساوئ (ج١ : ص ٢٠٩ و ٢١٠ ) وغيره.