والاضطرابات مع كل ناعق بها وفي كل آن.
وجاءت الخطة المدبرة التي أجاد حياكتها الثالوث الشامي ، فتنة عنيفة الاثر على مقدرات المدائن ، ناشزة على خطط التدبير.
ومن السهل أن نفطن الان ـ جازمين ـ الى ان اجوبة الحسن لهذا الوفد ، لم تكن لتشتمل على ذكر الصلح او الاستعداد له ، لانه لو كان قد اجاب اليه كما اشاعه الوفد عند خروجه منه ، لا نتهي كل شيء ولا غلق الموقف بين العراق والشام.فلم هذه الفتن اذاً؟. وهل هي الا من قبيل استعمال السلاح مع الصلح؟ وهل معني الصلح الا نزع السلاح؟.
وعلى هذا ، فلا تصريح بقبول الصلح من جانب الحسن قطعا.
وانما هي الفتتة ، وهي سلاح الشام الانكي.
وتلوّن معاوية في هذا السلاح تولّنا مخفيا جدا ، فعمد الى سلة أكاذيب ، يختار مضامينها اختيارا دقيقا ، وينخل أساليبها نخلا فينا ، ثم يبعث بها الى معسكرات الحسن ، هنا وهناك.
« فكان يدس الى عسكر الحسن ـ في المدائن ـ من يتحدث : ان قيس بن سعد ـ وهو قائد مسكن بعد فرار ابن عباس ـ قد صالح معاوية وصار معه (١) ».
«ويوجه الى عسكر قيس ـ في مسكن ـ من يتحدث ان الحسن قد صالح معاوية وأجابه (٢) ».
ثم ينشر في اشاعة اخرى على معسكر المدائن « الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا (٣) ».
وما ظنك بأثر هذه الشائعات في جيش مثل جيش المدائن ، وقد سبق له أنه علم خيانة قائد سابق لم يكن أهلا للخيانة ، فلِم لا يصدق خيانة الثاني ، أو الخبر بقتله؟.
وفي مسكن مثل ما في المدائن من مآسٍ ودفائن وقوافل تنزع الى
__________________
١ و ٢ ـ اليعقوبي ( ج ٢ ص ١٩١ ).
٣ ـ ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٦١ ) والطبرى ( ج ٦ ص ٩٢ ) وابن كثير ( ج ٨ ص ١٤ ) والدميري في حياة الحيوان ( ص ٥٧ ).