عنه أمام الله ورسوله في حقه.
ولا نعلم ـ بعد ذلك ـ ولا فيما ترويه المصادر ، أنه ذكر الصلح بنفي أو اثبات.
ولكنا علمنا أن المغيرة ورفاقه الذين دخلوا معسكر المدائن حين اذن لهم بدخوله لعرض هذه الكتب على الامام ، لم يغادروا المعسكر حتى زرعوا في ميدانه أكبر فتنة في الناس. فخرج الوفد العدّ وويستعرض في طريقه مضارب الجيش ، وهو اذ ذاك هدف الانظار في حركته ، وهدف الاسماع في حديثه ، فقال بعض أفراده لبعض ـ وهم يرفعون من أصواتهم ليسمعهم الناس ـ : « ان الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة ، وأجاب الى الصلح (١) ».
وما كان حديثهم هذا الا الفتنة نفسها ، ليعبروا بها وبمثيلاتها من هذا الطراز ، الى انتزاع الصلح انتزاعا.
و اذا هي الطعنة النجلاء ، في ظروف موليّة كظروف المدائن بما كان قد لحقها من التبلبل الذريع ، في أعقاب الحوادث المؤسفة في معسكر « مسكن ».
وكانت أكثرية المدائن لا تزال ملحة على مباشرة الحرب ، فهي لا ترى للصلح مكانا ، وكان يخيل اليها أن في بقايا المجاهدين في مسكن كفاية لمنازلة معاوية ، وأن في احتياطي المدائن ما يضمن لمسكن القوة على الصمود فيما لو ضعفت كفايتها. وربما كانوا أو كان فيهم ، من لا يتخيل شيئا من ذلك ، ولكنهم انما يلحّون على الحرب لانهم « يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة (٢) ». وتلك هي نعرة الخوارج في جيش الحسن عليهالسلام. وكيف يقول المغيرة ورفاقه « ان الحسن أجاب الى الصلح » ، انها الكلمة الكافرة التي لا يجوز الصبر عليها ـ برأيهم ـ.
وكان شغب فئة كبيرة كالخوارج ، مدعاة لزلزلة فئات أكثر عددا ولا سيما من أغرار الناس المتارجحين بين الطاعة والعصيان ، والمتأهبين للفتن
__________________
١ ـ يراجع اليعقوبي ( ج ٢ ص ١٩١ )
٢ ـ البحار ( ج ١٠ ص ١١٠ ) والارشاد.