وقد يكون معني تردده ، انه كان يرى اتقاء الفضيحة التي لا يسرها عذر امام العالم الاسلامي ، في محاربة سيدى شباب أهل الجنة ، ابني بنت رسول الله صلى الله عليه واله ، وجها لوجه.
وقد يكون انما أغراه باتخاذ هذه الوسيلة دون وسيلة السلاح ، كتب الخونة من رؤساء الكوفة وزعماء قبائلها « يعرضون بها له السمع والطاعة ، ويتبرعون له بالمواعيد ، ويتخذون عنده الايادي ، ويستحثونه على المسير نحوهم ، ويضمنون له تسليم الحسن عند دنوهم من عسكره ، أو الفتك به (١) ».
وكان من أبرع اساليب « الفتنة » ان يجمع معاوية كل ما ورد عليه من كتب هؤلاء ، ثم يدعو كلا من المغيرة بن شعبة وعبدالله بن عامر بن كريز وعبدالرحمن بن الحكم ، فيوفدهم جميعا بهذه الكتب كلها الى الحسن (٢) نفسه ليطلع عليها ، وليعرف نوايا أصحابها من متطوعة صفوفه ، ثم ليكون من اللفتة البارعة مدخل للمفاوضة في الصلح أو التفاهم على نصفٍ من الامر ، فيما لو وجد هذا الوفد من جانب الحسن عليهالسلام استعداداً لتفاهم او صلح.
وتفقّد الحسن خطوط الكوفيين وتواقيعهم بشيء من العناية وألامعان كما لو كان يعرف ـ قبل ذلك خطوطهم وتواقيهم وتأكد صحة نسبة الكتب لاصحاب التواقيع ، ولكنها لم تكن لتزيده معرفة بأصحابها ، ولم ير فيها جديدا لا يعهده من هذه الطبقة المعروفة بميولها وأهوائها وشذوذها الخلقي ، الذي جرّ عليه الشيء الكثير من المآسي والنكبات في شتى مراحله منذ فاه بدعوة الجهاد.
ثم رجع بخطابه الى الوفد الشامي ، دقيق العبارة لا يبت بأمر ولا ينكشف عن سرّ ، ولم يترك النصيحة للمغيرة ورفاقه ، بالدعوة الى الله عزّ وجل ، عن طريق نصرته وترك البغي عليه ، وذكّرهم بما هم مسؤولون
__________________
١ ـ سبق ذكر المصادر في الفصل الثالث.
٢ ـ يراجع اليعقوبي ( ج٢ ص ١٩١ ).